Saturday, January 2, 2016

مسألة الغاية في حياة الإنسان

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أكتب هذه المشاركة لملاحظتي أن الغرب قبل العرب لا يُفرّقون بين الأهداف الشخصية و الغاية أو لنقل الرسالة في الحياة أو سبب الوجود الشخصي للحياة. في كل عام نجد مئات الكتب الجديدة في تطوير الذات أو تصقيل الشخصية لتحقيق أحلامنا و أهدافنا و لكن في الحقيقة هذه الكتب لا تخدم إلا في تحقيق الأهداف الشخصية ولا تكاد تمس الغاية من وجودك كإنسان… ففرق بين أن يكون لك هدف و فرق بين أن تكون لك غاية! أو كما يقولون باللغة الإنجليزية: “Purpose” و هذا الذي سأطلق عليه بالغاية. أما الأحلام فترجمتها Dreams و الأهداف Goals أو Objectives و هذه المصطلحات لكل منها معنى لا أريد أن أدخل في تفاصيلها.

السؤال الذي أود أن أطرحه في هذا المقال هو: “هل يمكنك أن تعرف غايتك كإنسان بشكل يقيني قاطع؟” الذي يقوله معظم كتّاب الغرب اليوم نعم يمكنك ذلك! خاصة أصحاب كتب تطوير الذات أو الكتب الروحانية أو ما يسمى بالـSpirituals عندهم. برأي الشخصي أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف الغاية الشخصية إلا ظنا ولكن بإمكانه أن يعرف الغاية العامة من كونه إنسانا أو بعض الغايات التي يشترك معه فيها البشر جميعا (هذا طبعا إن كان مؤمنا بالإله). أما وضع أهداف شخصية و أحلام و غايات فأي إمرئ يمكنه أن يفعل ذلك و لكن هذا الوضع لا يكون بالضرورة مساويا للغاية الحقيقية من وجودك، لنفترض أن القلم اخترع من أجل الغاية النهائية لإيصال أو تدوين معلومة عن طريق الكتابة، و لكن مجرما من المجرمين، افترض أن الغاية من القلم سفك الدماء! فبدأ بقتل الناس بهذا القلم سواء بالكتابة أو الطعن أو ما شابه ذلك. فهل هذه الغاية التي وضعها المجرم لنفسه هي نفس الغاية من وجود القلم؟ بالتأكيد لا! و كذلك الإنسان، قد يضع لنفسه غاية و لكن هذه الغاية قد لا تطابق الغاية الأساسية من وجوده أو لا تسير في نفس الخط. 

أعرف أن البعض منكم قد يستنكر هذا و يجد أن هذا التفكير فيه سلبية و تحطيم نفسي للإنسان! أقول نعم هو كذلك إن كان الإنسان لا يؤمن بوجود الله خالقه، أو أنه آمن بخالق لم يعط خلقه الدليل على نفسه أو لم يعطهم دليلهم (أقصد دليل البشر) فعند الملحدين سؤال الغاية سؤال ليس في محله، و عند الذين يؤمنون أن الطبيعة خلقتهم في نهاية المطاف كذلك في حيرة من أمرهم لأن الطبيعة لم تعطيهم الغاية من وجودهم لذلك قال الملحد المعروف برتراند راسل مقولته المشهورة: لن يكون لسؤال “الغاية” من معنى حتى تفترض وجود خالق أو كما قال. و كذلك الذين يؤمنون بإله لم يُقم على نفسه الدليل أنه الإله الحق، فكل غاية يعطيها هذا الإله لا يمكن الإطمئنان إليه لأن الإطمئنان إلى وجوده أساسا عليه علامات استفهام! فلا فائدة في معرفة ما كتبه من غايات لخلقه إلا بعد أن يُثبت الأدلة على وجوده، أما المؤمنين بوجود الله سبحانه و تعالى و المؤمنين بكتبه (أقصد الكتب أو الآيات المثبتة لصدقية الكتاب) فهؤلاء لا حيرة عندهم بالنسبة للغاية من وجودهم إن شاء الله و السبب في ذلك قول الله سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: ((مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) فالغاية واضحة جلية، عبادة الله سبحانه و تعالى…

أعرف بأنك ربما تقول بأن هذه الحياة لا تُطاق، تريدني كل يوم فقط أصلي و أصوم و أذكر الله؟ بهذه الطريقة جعلني الله - سبحانه و تعالى - كالآلة! ما الفرق بيني و بين الآلة! أقول أخطأت، فالله سبحانه و تعالى ذكر الغاية العظمى من الخلق، الغاية الواسعة، المظلة التي تظل جميع البشر، و ذكر الغايات الأخرى الكبيرة التي يشترك معك فيها جميع الخلق لكنه لم يقل لك ما الغاية من خلقك كفرد، كعبدالعزيز و أحمد و محمد! عرفنا أن الغاية من وجودنا عبادته، و لكنه لم يجبرنا على سلوك طريق واحد لعبادته و إقامة ذكره؟ هل قيدك بذلك؟ أبدا! جعل الإنسان حرا في البحث عن غايته و رضي منهم بالظن إن كان هذا الظن في نهاية المطاف يؤدي إلى عبادة الله سبحانه و تعالى و إقامة ذكره… فأعطاك الحرية أن تقوم برحلة روحية للبحث عن غايتك كإنسان في هذا الإطار أو أن تضع لنفسك الغاية و لكن حدها لك! لا ينبغي لك أن تعيش بلا غاية ولا ينبغي أن تكون غايتك ليس فيها عبادة الله… الخلافة في الأرض و عمارة الأرض من الغايات و لكن كلها تحت المظلة الكبرى و هي “عبادة الله” فالإنسان يستطيع أن يعبد الله و هو يصلح البلاد و العباد بالتعليم و التزكية و ما إلى ذلك، العالم الفيزيائي يمكنه أن يبحث في اختصاصاته في النهاية لعبادة الله و إقامة ذكره، و التاجر و البائع كل منهم يستطيع أن يربط غاياته مع الغاية العظمى أو كما يقولون باللغة الإنجليزية Alignment. لأن الله سبحانه و تعالى إن لم يخبرنا بالغاية العظمى لاحتار الناس، و لتمرد الناس كفرعون و ظنوا أن الغاية من وجودهم أن يُعبدوا من دون الله أو أن يستعبدوا الناس و ما إلى ذلك أو كبعض الناس الذين ظنوا أن الغاية من خلقهم هي التهجم على الرب و زعزعة إيمان المؤمنين بوساوس شيطانية و غيرها من الغايات الخسيسة. 


فإن أنت أردت أن تعرف ما غايتك العظمى في الحياة فقلب صفحات كتاب الله و اقرأ ما فيها لوجدت الغاية العظمى، و إن أنت أردت أن تعرف غايتك الشخصية فادعو الله أن يرزقك معرفتها و توكل بما تظنه الأصلح لك وللناس و بهذا إن شاء الله لن تضل الطريق. في الواقع عدم إخبار الله لنا بغايتنا الفردية نعمة و رحمة منه، فلو أنت عرفت أن غايتك مثلا في أمر ما، فلن تجرب أمرا آخر، و تكون كالآلة، الله يريد أن تكون لك إرادة خاصة لا أن تكون كالملائكة ولكن يريده أن يكونوا بشرا يعبدونه بملئ إرادتهم و اختيارهم فإن هم أتوه بذلك لوجدوا الكرامة عنده و أية كرامة و لإخفاء الغاية فردية حكم كثيرة لا أستطيع أن أذكرها كلها هنا، لعلي أفعل ذلك في مشاركات أخرى. و أخيرا عودة للإجابة، فالغاية الفردية للإنسان أقولها لن تصل إلى مرتبة أعلى من الظن، و لكن هذا الظن قد تطمئن إليه أو لا تطمئن، و لذلك عليك طلب المعرفة بالدعاء و قراءة كتاب الإله الذي تؤمن به و التجربة و أن “تعيش”. الإنسان حينما يخترع آلة من الآلات فإنه لا يعرف ما الغاية من الآلة المُخترعة إلا بعد التجربة و التفكيك و لكن الأسهل من ذلك أن يسأل مخترع الآلة ما الغاية من وجود هذه الآلة، فإن لم يجد هذا الإنسان ما الأمر المنطقي الآخر الذي ينبغي فعله!؟ قراءة دليل هذه الآلة فإن فيها الهدف من الجهاز وكيف يعمل و ما المواصفات و ما إلى ذلك… أما بدون أن يسأل و بدون الدليل فليس عنده إلا التأمل و التجربة و قد يعرف وقد لا يعرف، و هكذا انتهى الحال بكبار مفكري العالم الذين لم يعرفوا الإله الحق بعد، و لم يكن عندهم كتاب فقاموا بالرحلة الروحية و الفكرية و هؤلاء في نظري خير من الذين لم يقوموا بهذه الرحلة أساسا و رضوا أن يعيشوا كالبهائم والله أعلم و أرجو أن يكون مصيرهم خيرا عند الله. أخيرا إن أنت عرفت الغاية العظمى من وجودك، لعرفت قبح أن تقوم الحكومة أو يساعدك والدك في تسجيلك في جامعة غربية مرموقة لنيل شهادة علمية محترمة و أنت بدل أن تدرس و تأتي بالشهادة تسكعت في شوارع الدولة الأجنبية مع المومسات و عدت خائبا ليس معك شيء إلا العار، والله المستعان. 


No comments:

Post a Comment