Monday, January 11, 2016

العلم و التعلّم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أكتب هذه المشاركة لبيان الفرق بين التعلم و العلم… كثير من الناس في الماضي و الحاضر يركزون على العلم و أنها فضيلة و هي بلا شك فضيلة و نعمة من الله سبحانه و تعالى، كما بين الله فضل العلم و العلماء والذين أوتوا العلم في مواضع في كتابه العزيز و كذلك في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم… و لكن أظن أن الذي غفل عنه بعض الناس أن العلم نتيجة أو ثمرة من ثمار التعلم أو طلب العلم… التعلم الخطوة الأولى لكسب العلم، و هذا هو الذي برأيي لها الحظ الأوفر من الفضائل في القرآن و السنة و أقوال الحكماء، و ذلك لأنه عندما يتعلم الإنسان يزيد من رصيد معلومات أو حظه من العلم بشكل مستمر، فهناك جهد مبذول من عنده، أما العلم فهو موجود في كل مكان، يمكن لأي إنسان أن يحصل عليه سواء في الشبكة أو البرامج التقنية الجديدة أو الحفظ… لا شك أن طلب المحفوظ أمر مطلوب و قد يساعد المرء في قضاء حياته بطريقة أفضل لكن التعلم هو أحد أسباب سعادة الإنسان الروحية… 

و الأمر الآخر، كل ما يتعلم الإنسان أمرا ما، فإنه يتحول إلى علم قد ينجح في استدعائه بالذاكرة أو لا، لكن التعلم عبارة عن عيش اللحظة أو التجربة، التعلم يحصل في الحاضر أما العلم في الماضي. و إن أنت تأملت حال الإنسان وجدت كل أمر يعمله في اللحظة هو الشيء الذي يجلب له السعادة، فمثلا الأكل، فهو يشعر بلذة الطعام عند الأكل و ليس بعد أن دخل الطعام في بطنه و أصبح جزءا من الماضي، و كذلك الجماع بين الزوجين، اللذة تكون عندهم عند المجامعة لا بعد ذلك… و كذلك مع العلم، اللذة تكون مع التعلم و قد يحصل للمرء نوع لذة عند طلب العلم أو عند استحضار المعلوم، كما قد يتلذذ الإنسان الذي يشتهي أمرا عندما يدرك أنه سيحصل عليه عاجلا أو هو قريب منه ولما يتأتى له ذلك بعد… و من ثم إن أنت تأملت جميع أحوال الإنسان، لوجدت أن كل شيء في حياته قد يتحول إلى معرفة أو حتى علم وما من شيء إلا و هو قابل أن يصير علما، و العلم أيضا لا يصير علما إلا بعد الإحاطة به على ما هو عليه، أي لابد من علم قطعي به و هذا عزيز على الإنسان على كل حال و هو يسير في المفاهيم العقلية أو العلمية أو النظرية.  و بما أن العلم هو العلم بالشيء علم احاطة بالشيء على ما هو عليه و لهذا ربما نجد في القرآن الكريم قول الله سبحانه و تعالى: ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)) و لم يقل ((فاعرف أنه لا إله إلا الله)) لأنه والله أعلم أن الأمر ليس متعلق بأمر محسوس، و ثانيا أن الإنسان مطالب أن يعلم ما تعنيه الكلمة من جميع جوانبها على ما هي عليه، لا يكون فيه نوع جهل أو ظن، بل لابد من أن يحصل في القلب حقيقة معنى الكلمة. 


و قد قلت أن الإنسان يتلذذ عندما يقوم بأمر ما في اللحظة، فالتعلم ألذ من طلب العلم و التعلم ألذ من العلم نفسه، فمثلا أنت قد تقصد المكتبة تطلب فيها العلم لكن هذا الطلب لا يعطيك اللذة، لكن عندما تتعلم و تتفكر و يتحصل لك العلم تتلذذ، و ما إن تحول ما تتعلمه إلى علم تحولت إلى أمر آخر تتعلمه… و لهذا كان أعظم لذة في حياة الإنسان الروحية و التي تمتد معه إلى نهاية عمره، معرفة الله سبحانه و تعالى، لأن الله سبحانه و تعالى لا يمكن أن يتحول إلى علم، كل ما تستطيع عليه أن تعرف بعض الأمور عن الله كما أخبرك في كتابه، بأنه غفور و رحيم و ما إلى ذلك مثل قوله: ((يَعْرِفُونَ نِعْمَة اللَّه ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا)) تأمل قال يعرفون و لم يقل يعلمون لأنها قد تتعلق بأمور حسية و مستحيل الإحاطة بنعمة الله، و بما أن الله ليس بمحدود و صفاته غير محدودة استحال أن يتحول أي صفة من صفات الله إلى علم، فلا تجد أحدا يقول العالم بالله، و لكنك قد تجدهم يقولون العارف بالله (و في هذا أيضا نظر عندي) و السبب أن الله سبحانه و تعالى لا يكون علما، لأن العلم كما قلت هو ادراك الشيء على حقيقته كما هو، و لا يمكن لمخلوق أن يعلم كل شيء عن الله و لهذا نجد في القرآن: ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)) فلهذا الإنسان الذي يحاول أن يعيش في هذه الحياة أن يعرف الله يعيش في لذة عظيمة لا تنتهي… بل حتى إن دخل المؤمن الجنة، فمن أسباب أن لذة الجنة لا تنتهي لأن العلم بالله على ما هو عليه مستحيل، فاللذة باقية أبد الآباد… هذا والله أعلم، و ما كان من صواب فمن الله و ما كان من خطأ فمن نفسي… 




No comments:

Post a Comment