Tuesday, March 3, 2015

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… كتبت من قبل في مدونتي تعريفا للسنة، و أظن والله أعلم بأني جئت بتعريف جديد لم أطلّع على مثله عند المتقدمين أو المعاصرين، و لكن بما أنه قد يرد علي عدة اعتراضات سواء من أهل السنة أو القرآنيين وغيرهم، فقلت أبحث في الموضوع أكثر. و بينما أنا أبحث، تعرضت لحديث جابر بن عبدالله عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم و بالتحديد لفظة: “خذوا مناسككم” و في رواية: “خذوا عني مناسككم” و بما أن الموضوع يتعلق بالحج فدرست آيات الحج الواردة في القرآن الكريم الذي غير مسار اهتمامي إلى موضوع وقت الحج و ذلك لأني مسبقا قرأت مقالات كثيرة في الموضوع ولعلي توصلت إلى نتائج من مجموع قراءاتي سأعرضها عليكم قد لا يعجب بعض المسلمين بشكل عام سواء السنة و الشيعة و القرآنيين و غيرهم.

النتيجة التي أميل إليها ولا أستطيع أن أجزم بها (لأن الموضوع بحاجة إلى بحث أعمق) أن أداء مناسك الحج المعروفة ممكنة في الأشهر معلومات و غير محصورة في أيام معدودات من ذي الحجة. قد تقول لماذا تكتب إذا إن أنت لا تستطيع أن تجزم، أقول للإخوة إني أكتب لكي أبحث المسألة أكثر و أقرأ ما عندكم حول هذا الموضوع، و المواقع الإجتماعية فيها الكثير من المفكرين و أصحاب العقول، فلعلي أقرأ في ردودهم ما يساعدني إلى معرفة الراجح من المرجوح بشكل أفضل. هل توصل إلى هذه النتيجة علماء السلف؟ الظاهر بأنهم لم يتفقوا في الميقات الزماني للحج، قال الإمام مالك في ميقات الزمان للحج: “الثلاثة الأشهر كلها محل للحج” و قال الإمام الشافعي: “الشهران و تسعة من ذي الحجة” و أما هذا الرأي السائد اليوم فهو رأي الإمام أبو حنيفة فإنه قال في ميقات الزمان للحج: “عشر فقط”. قال الإمام ابن رشد الحفيد في كتابه بداية المجتهد و نهاية المقتصد: “دليل قول مالك عموم قوله سبحانه و تعالى: ((الحج أشهر معلومات)) “. لكن والله أعلم أن الظاهر من كلامهم هو الإحرام بالحج وليس أداء مناسك الحج ولكن قد يكون الأمر الآخر محتملا أيضا لأن الإمام مالك لم يُحرّم الإحرام بالحج قبل أشهر الحج إنما كرهه و يصح إحرامه عنده. أما من المعاصرين فهم كثيرون و خاصة القرآنيون فإن لهم مقالات عدة في هذا الموضوع تجدونها في الشبكة. و أبرز من رجح هذا الرأي من المعاصرين هو الدكتور محمد شحرور و جمال البنا و أحمد صبحي منصور، وللأسف هؤلاء الثلاثة ليسوا بمرضيين عند أهل السنة و الجماعة، و لكني في الحقيقة أحب أن أتبع الدليل بغض النظر من هو الذي أتى به، في هذه المشاركة ستجدون رأي مستفاد من الدكتور محمد شحرور بالإضافة إلى آرائي الشخصية. 

قال الله سبحانه و تعالى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)) فالآية في ظاهرها أن الله سبحانه و تعالى فتح باب الحج بأشهر معلومات و هذا يعني على أقل تقدير بأنه شهرين وليس فقط بضعة أيام من ذي الحجة. و هذه الأشهر المعلومات اختلف في تحديدها البعض فمنهم من قال بأنها الأشهر الحرم و منهم من قال بأنها أشهر الحج المعروفة لدى الناس: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة و بعض المعاصرين لهم رأي آخر، بغض النظر عن الخلاف، المهم أن المدة أطول مما عليه الناس اليوم. قد يقول قائل المقصود بقول الله سبحانه الإحرام، من أراد أن ينوي فيمكنه أن يحرم ولكن لا يقوم بأداء مناسك الحج إلا في الشهر الأخير حتى إن سافر الحاج ابتداء من شوال أو ذي القعدة، و هذا برأيي تحكّم في الآية. 

فإن قلت بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أدّى مناسك الحج في هذه الأيام و بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أفهم الناس بالقرآن الكريم و أفهم بمراد الله منا، إذا ليس المقصود ما تذهب إليه بأن وقت أداء مناسك الحج هي مفتوحة في الأشهر المعلومات إنما هي محصورة في أيام ذو الحجة. أقول، نعم هذا الإشكال سيرد عند من هو متمسّك بالتعريف التقليدي للسنة و حتى الذين عرفوا السنة بالسنة العملية المتواترة فإنه يرد عليهم هذا الإشكال. و لكني بالنسبة لي، لا يرد علي هذا الإشكال و ذلك على حسب تعريفي للسنة التي سبق وكتبت عنها في المدونة، قيدتها بشرط الطريقة الثابتة و المتكررة. و الآن أحب أن أسألكم، كم مرة حج النبي صلى الله عليه وسلم؟ حج حجة واحدة و هي حجة الوداع، فلهذا أقول أن في الأمر سعة كما في كلام الله سبحانه و تعالى. من يدري متى كان سيحج الرسول صلى الله عليه وسلم السنة المقبلة إن هو عاش، و من يستطيع أن يجزم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان سيحج في نفس الأيام إن اشتد الزحام في زمنه؟ لا أحد يستطيع أن يجزم بذلك. 

ولكن كلامي قد يُعترض عليه بالحديث الذي أوردته في بداية هذا المقال، “خذوا عني مناسككم” أو “خذوا مناسككم” و أقول قد يشكل هذا الحديث، لكني في الحقيقة لست مطمئنا لثبوت هذا اللفظ بهذا السياق عن الرسول صلى الله عليه وسلم. أما تخريج الحديث فكما قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه إرواء الغليل: “أخرجه مسلم 4/79) وأبو نعيم فى " المستخرج " (21/166/2) وأبو داود (1970) والنسائى (2/50) والترمذى (1/168) مختصرا وابن ماجه (3023) وأحمد (3/301 , 318 , 332 , 337 , 367 , 378) وأبو يعلى فى " مسنده " (ق 119/1) والبيهقى (5/130) “ بالرغم من أن حديث جابر مخرّج في أكثر كتب الحديث ولكن ليس فيها اللفظ المذكور. هناك أحاديث تُنسب لبعض الصحابة أنه قال: “لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا” و ذلك في خطبته في عرفة و حديث فليبلغ السامع الغائب وليس فيها هذا اللفظ و السياق مختلف. و معظم الروايات التي فيها هذه اللفظة: “لتأخذوا مناسككم” تفرد به ابن جريج عن أبي الزبير الذي تفرّد هو الآخر عن جابر و معظم الروايات لا تخلو من نقد للرجال الذين تفردوا بهذا الحديث. ولكن لم أبحث المسألة بشكل تفصيل ولعلي أفعل ذلك فيما بعد.

لنفترض بأن هذه الزيادة ثابتة و أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها، فليس فيه دليل قاطع على ما يذهبون إليه بأن الحج محصور في الأيام المعلومات اليوم. بل المقصود فيما يغلب على ظني والله أعلم، خذوا مناسكم أي شعائر الحج و عباداته من الطواف و السعي و الهدي وما إلى ذلك. و المنسك على حسب معجم المعاني الجامع: “طريقة الزهد و التعبّد”  فالرسول صلى الله عليه وسلم يقصد خذوا طريقتي في أداء المناسك و أصول مناسك الحج معروفة في كتاب الله سبحانه و تعالى. ففي أقل تقدير بأن المعنى الذي تذهبون إليه محتمل، فلماذا تفرضونه على الناس و كأنه لا مجال للمعنى الآخر الذي ذكرته و تُضيّقون على الناس بسبب فهم ضيّق؟ وإنا لله و إنا إليه راجعون. 

و ربما يوردون على ما قلته اشكال آخر و هذا الإشكال من كتاب الله سبحانه و تعالى و ذلك في قوله: ((لّيَشْهَدُواْ منافع لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ معلومات)) و قوله ((وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)) و هذه الأيام المعلومات و المعدودات هي أيام الحج المعروفة لدى الناس اليوم. أما في الأيام المعدودات فلا إشكال فيه أبدا، و ذلك لأن الله يأمرهم بذكره في أيام معدودات من أيام الحج و لم يحدد ما هي هذه الأيام و حتى إن قلنا بأن هذه الأيام هي أيام التشريق فمن قال بأن أيام التشريق لا يمكن أن تكون إلا في ذي الحجة؟ و هذا الإشكال المتهافت للأسف انطلى على بعض من كتب في هذا الموضوع، و لكن في الحقيقة ليس هناك أي اشكال بين آيات الله سبحانه وتعالى. أما قول الله سبحانه و تعالى: ((لّيَشْهَدُواْ منافع لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ معلومات)) فيحسن بي أولا أن أنقل كلام الدكتور محمد شحرور فإنه أحسن و أجاد في تعليقه على الآيتين من سورة الحج: (( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ))

 قال الدكتور: “و المتأمل للآيتين يدرك أنهما تتضمنان أمرا للرسول (صلى الله عليه وسلم) بالآذان للحج، لأنه طلب منه أن يدعو الناس إلى الحج في ((أيام معلومات)) ، و هذه الأيام المعلومات كما ورد ذكرها في الآية كانت معروفة قبل البعثة لهذا قال له: ((في أيام معلومات)) ، و هي التي كان يحج فيها الناس على عهد إبراهيم كما رأينا. و هذا يبين أن الأمر الوارد في الآيتين لم يكن من الممكن أبدا أن يكون المقصود به هو إبراهيم في أي حال من الأحوال، لأنه في هذه الحالة ستصبح معرفة (الأيام المعلومات) مبهمة، لأن الآية تدعو إلى الحج في أيام معلومات حيث كانت هذه الأيام معروفة قبل إبراهيم لو كان الأمر في آية الأذان موجها له؟ 

و هذا يُبيّن، دون أن يدع مجالا للشك، أن الأمر صدر للنبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه هنا يتحدث عن الأيام المعلومات التي كانت معروفة قبله أي على عهد إبراهيم، ثم طلب الله منه إتباعه بالأذان في الناس بالحج في هذه الأيام، فعلى هذا النحو فقط يستقيم معنى الآيتين، و ما يؤكد أيضا أن الأمر بالأذان في الناس موجه إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما جاء في قوله في سورة الحج نفسها في الآيتين ٢٩ و ٣٠ أي بعد الآيتين ٢٧ و ٢٨ محل الدراسة في قوله تعالى: ((ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) 

إن هاتين الآيتين جاءتا بعد أن طلب من الرسول الآذان في الناس بالحج، لبيان ما على الحجاج من الناس تقديمه لله من أضحيات، بقوله: ((وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم)) ، هذا الجزء من الآية هو الشاهد الذي نستدل به لبيان أن الأمر بالأذان جاء للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) لا لإبراهيم، لأن يبين لهم ما أحل لهم من الأنعام لتقديمه كأضحية بأنها كلها حلال إلا ما حرّم بالنص في التنزيل الحكيم لهذا قال لهم: (إلا ما يتلى عليهم) “ 

و قال أيضا في موضع آخر عن الآيتين: “و آية الحج ٢٧ التي طلب فيها الله من النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يؤذن في الناس بالحج ليأتوه، إنما كانت نداءً لمن عاصروه، ولم تكن أمرا مطلقا للناس إلى يوم الدين، فذلك غير معقول، إذ كيف يمكنهم أن يأتوه بعد وفاته؟ لكن مع الأسف هذا هو الفهم الخاطئ لدى أغلب الناس بتوجههم في الحج أو العمرة لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) ، علما بأن هذه الزيارة لا تدخل ضمن مناسك الحج أو العمرة، ولو كان الأمر من الله للناس بالقدوم للرسول في حياته معقولا فإن الأمر بالقدوم إليه بعد مماته غير معقول و يتعارض مع التنزيل الحكيم في عدة مواضع كقوله تعالى: ((إنك ميت و إنهم ميتون)) (الزمر ٣٠) ، إذ كيف يطلب الله من الناس القدوم على ميت؟ لذلك نرى أن هذه الآية من القصص المحمدي، و نزلت على النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمر إلزامي ظرفي (زماني - مكاني) بالأذان في الناس للقدوم إليه، في الأيام المعلومات التي كان يحج فيها الناس على عهد إبراهيم (عليه السلام) ، و نرى أن الله طلب منه (صلى الله عليه وسلم) دعوة جميع الناس للحج في هذه الأيام المعلومات ، دون أن يجعل الحج في هذه الأيام إلزاما” 

حتى إن افترضنا بأن الكلام موجه للنبي إبراهيم عليه السلام فهذا لا يُضيّق السعة التي جعلها الله في الحج في قوله: ((الحج أشهر معلومات)) ، و حتى إن كان الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم فإن الآيتين من سورة الحج ليس فيها الإلزام. و لنفترض أن هذه الأيام المعلومات هي نفسها الأيام المعروفة لدى الناس اليوم، لكن أين الدليل الذي يقول لا يمكنكم أن تؤدوا مناسك الحج في غير هذه الأيام؟ لعل لقائل أن يقول: “إن الأيام المعلومات المقصود بها أيام حددها الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم لغرض دعوة الناس أجمعين و ليكون حجة عليهم و ليس تشريعا للحج فلا يكون المقصود أيام الحج المعروفة قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم.  أو لقائل أن أن يقول: إن الأيام المعلومات المقصود بها الأيام التي تتم فيها أعمال و مناسك الحج وليس المقصود أيام محددة من شهر ذي الحجة، إنما إنما مجموعة أيام معلومة (يوم يتم فيه الوقوف بعرفة، و يوم يتم فيه طواف الإفاضة…الخ) في الأشهر المعلومات، و لا أظن أن هذا القول يسلم من نقد.

عندي إجابة لعلها أفضل والله أعلم أن لقائل أن يقول: “في كل شهر من أشهر الحج أياما معلومات، فأيام المعلومات في ذي الحجة الأيام المعروفة و كذلك في ذي القعدة أياما معلومات من أراد أن يبدأ و يؤدي النسك في ذي القعدة و كذلك في بقية أشهر الحج. قد تقول بأن هذا القول ينقصه  الدليل التاريخي أقول نعم و لكن يمكن الاعتراض عليك بمسائل متعلقة بالتقويم الهجري و المسألة بحاجة إلى دراسة المرويات التاريخية. الذي يدعم قولي، قول الله سبحانه وتعالى: ((يسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)) وكأن في هذه الآية إشارة. تأمل إن الله ذكر أن الأهلّة مواقيت للناس و لكن أيضا مواقيت للحج ولم يذكر أنها مواقيت للصيام! و السبب في ذلك و الله ألعم أن رمضان شهر واحد و لكن الحج أشهر معلومات، و لابد من تحديد أيام الحج من الوقوف بعرفة و المشعر الحرام و غير ذلك فالناس في الحقيقة بحاجة إلى معرفة ذلك ليضبطوا مواقيت نسكهم والله أعلم.

من المقالات التي قرأتها في هذا الموضوع، مقال المفكر الإسلامي سامر إسلامبولي، حيث أتى بتوجيه لا بأس به مع اعترافي بأن كلامه لن ينجو من النقد كذلك، قال المفكر: “وأداء مناسك الحج تكون في أيام معدودات أو على الحد الأدنى في يومين متتاليين على مدار الأشهر الأربعة، فأي يومين اختارهما الإنسان لأداء مناسك الحج  ضمن الأشهر الأربعة مع فوج  فحجه مقبول وهو غير ملزم بأيام معينة في شهر معين لأن ذلك تضييق على العباد وإلزام لهم بمالم يلزمهم الله به ، كما أن نسبة ذلك الإلزام إلى الله هو تَقَوُّل وافتراء عليه. قال تعالى: ((وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) البقرة 203 

فوقت الحج أشهر معلومات ، وأداء المناسك في أيام معدودات. ومثل ذلك كمثل وقت الصلاة المفتوح ، وأداء الصلاة يكون ضمن هذا الوقت الذي يقبل التعددية في الأداء من قبل الناس لأن لكل منهم حاجته وضرورته وانشغاله مع بقاء الأفضلية في أداء الصلاة في وقتها الأول ، وصواب أدائها فيما بعد ، فوقت الصلاة  معلوم ، وأداءها في دقائق معدودة.قال تعالى: ((وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) التوبة 3 فالنص إعلام وإخبار (أذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسولُهُ)  والشاهد في النص هو قوله تعالى (يومَ الحجِ الأكبر) ومن المعلوم أن النص القرآني لا يوجد فيه حشو أو لغو أو عبث فكل كلمة لها دلالة مقصودة. والنص القرآني هو خطاب من حي إلى أحياء ومن عالم إلى عقلاء متعلمين ، ففهم النص يتم من خلال علاقة بين المتكلم والمخاطب، والمتكلم في النص القرآني هو الله الخالق المدبر ، والمخاطب هم الناس جميعاً خلال الزمان والمكان . 

فعندما ذكر الخالق كلمة (الحج الأكبر) دلَّ ضرورة على وجود الحج الأصغر، ولو انتفى ذلك لكانت صفة (الأكبر) حشواً وعبثاً لانتفاء الحاجة إلى ذكرها في الواقع لحصول الدلالة عند المخاطب نحو قولنا : الثلج أبيض . فإن صفة البياض للثلج لازمة له ويستحضرها المخاطب عند سماع كلمة (الثلج) فإذا أضفناها فهناك احتمالين: الأول : وجود ثلج غير أبيض وذكرها لتحديد الثلج عند المخاطب. الثاني: ذكرها من باب الثرثرة لا أكثر وهي حشو لا تفيد معنى زائداً عند المخاطب حين يسمع كلمة (الثلج) . والنص القرآني منزه عن الثرثرة والحشو في الكلام الذي لا فائدة منه  عند المخاطب . وكون الأمر كذلك فكلمة (أكبر) ضرورة تفيد أن هناك (حجاً أصغر)، والحج الأكبر هو أداء المناسك في أيام معدودات من ذي الحجة التي تزامن عيد الأضحى  المبارك . وهذا الوقت للحج الأكبر هو الذي التزم الناس به منذ إبراهيم عليه السلام  إلى يومنا المعاصر ، وتم نسيان أو إغفال صواب أداء مناسك الحج في غير هذه الأيام من  الأشهر الأربعة المعلومة التي يكون الحج فيها اسمه الحج الأصغر.” و لعل لقائل أن يقول بأن الحج الأصغر المقصود به العمرة في أشهر الحج المعلومات. أو لعل قائل أن يقول كما قال الدكتور محمد شحرور بأن الحج الأكبر جهاد المسلمين للمشركين في الغزوة المذكورة في سورة التوبة والله أعلم بالصواب. 

ربما يعترض بعض العلماء و طلاب العلم بأن المسلمين منذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم يؤدون مناسك الحج في هذه الأيام المعروفة لدينا اليوم، فهل يعقل أن تفهم و شرذمة غيرك أمرا خفي على الصحابة و التابعين و غيرهم؟ أقول لا، و من قال بأن هذا الأمر خفي على الصحابة؟ في الحقيقة لم أجد مرويات ثابتة عن الصحابة تصح كدليل قاطع أنهم لم يفهموا ذلك؟ بل بعض الروايات لا تصح ثبوتها البعض ليس فيها ذكر للأيام المحددة وهكذا. ثم لنفترض أن الصحابة كانوا يحجون في هذه الأيام ما المشكلة في ذلك؟ فإنهم كانوا حريصين أن يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم. ألم يثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يحبون بعض الأطعمة فقط لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبها؟ فلعلهم من هذا الباب كانوا يحجون هذه الأيام وليس لأن ليس في الأمر سعة. و خاصة أن أيامهم لم يكن فيه هذا الزحام الذي نجده اليوم. ولا أخفيكم بأني شخصيا كلما أحج أشعر بخوف بأني قد أموت فقبل كل رحلة أتشهّد! بالرغم من أني حججت مرات كثيرة و لكن بالرغم من هذه التطورات لكن لا يكفي و لعل هذا يحصل مع غيري كذلك. ثم إني عندما أحج أو أكون مثلا في طواف الإفاضة أو طواف الوداع أشعر و كأني في حرب و يشق علي جدا أن أخشع وهكذا. فمثل هذا الزحام لم يكن موجودا أيام الصحابة، فلهذا كانوا يحجون في الأيام المعروفة ولا شك من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم و يتأسى به و حبا له فهو إن شاء الله مأجور حتى في الأمور الدنيوية ولكن هذا لا يعني أن من حج في أيام أخرى من أشهر الحج فهو آثم و خالف أمر الله، فاصدار مثل هذا الحكم على المسلم بحاجة إلى دليل أقوى من الأدلة الموجودة عند المسلمين لحصر الحج في الأيام المعروفة اليوم والله أعلم. و أيضا من المتعارف عند الناس أنه إذا قام عظيم بأمر ما فالناس يقلدونه و إن لم يروو وجوب هذا التقليد، و هذا يحصل للناس في جميع بقاع الأرض، و لعل ما نراه في أرض الخليج العربي أكبر دليل على كلامي فالإتباع و سلك نفس الطريق لا يعني بالضرورة الوجوب. 

لدينا مسألة أخرى لابد أن نبحثها بجد، قال الله سبحانه و تعالى: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ)) لا أعلم أن علماء السلفاء اختلفوا في كون الإسلام شرط من شروط الحج، ولكن أستغرب ذلك و أحب أن أطرح بعض الأسئلة كما فعلت في موضوع: “حجية الإجماع”. من هم الناس الذين قصدهم الله في هذه الآية؟ ظاهر الآية فيها عموم، يشمل الذكور و الإناث و المسلمين و غير المسلمين، ولا أدري ما سبب اخراج العلماء غير المسلمين من الآية؟ هل اخرجوا غير المسلمين بسبب قول الله سبحانه و تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)) أم لديهم دليل آخر؟ فإن كان هذا هو السبب الوحيد فأقول إن الآية ليس فيها دليل أن اليهود و النصارى نجس؟ و هل المشركون في الآية المقصود بهم جميع المشركين في زمن الرسول و بعده؟ أم أن المقصود بهم فئة معينة وهم الذين حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لأن من اليهود و النصارى اليوم من لا يشركون بالله، أي لا يعبدون مع الله إلها آخر، بل أنا أعرف بعض النصارى الذي يؤمنون بالله وحده و يعتبرون المسيح بن مريم عبدالله و رسوله، فهل هؤلاء نجس لا يُسمح لهم بالحج إن أرادوا ذلك؟ فإن ضيّق العلماء مفهوم الناس و جعلوا المقصود بهم المسلمون، فلماذا كثير منهم يأخذون الحديث المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس…” الحديث المعروف، لماذا يأخذون الناس على العموم فيقولون يدخل فيه المشركين و اليهود و النصارى و المجوس و الهندوس…الخ فالتخصيص بحاجة إلى دليل معتبر، فما دليلهم في تخصيص كلمة: “الناس” بالمسلمين فقط؟ 


مسألة وقت الحج مسألة كبيرة و بناء على هذه المسألة تترتب أحكام كثيرة، و بعد قراءة موسعة في هذه المسألة أقول في الحقيقة الموضوع ليس بهذه السهولة التي يعتقدها طلاب العلم من أهل السنة اليوم، وهذا الرأي الجديد الذي ظهر بين المسلمين أخيرا بأن المسلمين يمكنهم أن يُؤدوا مناسك الحج في أربعة أشهر رأي له اعتبار لما قرأتم في هذه المشاركة. و طبعا هناك أدلة و إشارات كثيرة و هي موجودة في الشبكة، لم أرد أن أنقل كل ما قرأته في هذا الموضوع لأن ذلك يطول جدا و بحاجة إلى مؤلف و بحث تفصيلي للأحاديث و المرويات التاريخية المتعلقة بالحج. هذا والله أعلم، و ما كان من صواب فمن الله و ما كان من خطأ فمن نفسي.