Wednesday, February 18, 2015

دراسة حديث - الخوارج كلاب النار - الجزء الثاني


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… هذا هو الجزء الثاني من دراسة لحديث: “الخوارج كلاب النار” و في الجزء الأول تعرضت لطريق عبدالله بن أبي أوفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، و في هذا الجزء سأتعرض لحديث أبو أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و حديث أبو أمامة مروي لنا من عدة طرق، الطريق الأشهر طريق أبو غالب سعيد بن الحروز. و هذا الطريق مخرّج في عدة كتب في مرويات كثيرة و طرق عن أبي غالب البصري، منها: سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مصنف عبدالرزاق الصنعاني، مصنف ابن أبي شيبة، مسند الحميدي، مسند الطيالسي، مسند الروياني، تفسير مجاهد، تفسير ابن أبي حاتم، السنة لعبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل، السنة لابن أبي عاصم، السنة للمروزي، أمالي المحاملي، الشريعة للآجري، المعجم الصغير للطبراني، المعجم الأوسط للطبراني، المعجم الكبير للطبراني، مسند الشاميين للطبراني، طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني، أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني، معجم ابن المقرئ، مشكل الآثار للطحاوي، المطالب العالية لابن حجر العسقلاني، شرح أصول الإعتقد لللالكائي، السنن الواردة في الفتن للداني، السنن الكبرى للبيهقي، معرفة السنن و الآثار للبيهقي. 

و أما المتن فأنقل لكم متنا واحدا يعكس لنا الحكاية و طبعا المتون مختلفة ففي بعض المرويات القصة مختصرة و بعضها مطولة، و هذا الذي ستقرؤونه من مسند الإمام أحمد بن حنبل. - سمعت أبا غالب يقول : لما أتي برءوس الأزارقة فنصبت على درج دمشق ، جاء أبو أمامة فلما رآهم دمعت عيناه فقال : " كلاب النار ، ثلاث مرات ، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء ، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء". قال : فقلت : فما شأنك دمعت عيناك ؟ قال : رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام . قال : قلنا : أبرأيك قلت : هؤلاء كلاب النار ، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني لجريء بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث قال : فعد مرارا”

لا أظن أني بحاجة لتفصيل ما سبق و ذكر رجال كل رواية من الروايات لأن مدارها على أبو غالب البصري، و يظهر لي والله أعلم بأن الرواية ثابتة عن أبو غالب. أما أبو غالب فقد قال عنه أبو حاتم الرازي: “ليس بالقوي” و قال عنه ابن عدي: “لم أر في أحاديثه حديثا منكرا جدا، و أرجو أنه لا بأس به” و قال عنه النسائي: “ضعيف” و في ميزان الإعتدال للذهبي: “فيه شيء” و قال عنه محمد بن سعد: “منكر الحديث” و قال أبو داود عن يحيى بن معين بأن شعبة وصفه: “تغير عقله” و اختلف البعض فيه مثل الدارقطني: “لا يعتبر به” و مرة يقول: “ثقة”  ولعله قصد أن البعض لا يعتبر به و هو يراه ثقة والله أعلم. قال عنه ابن حبان: “منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات، وهو صاحب حديث الخوارج”. و هذا الرجل لم يخرج له البخاري و لا مسلم و لا الإمام مالك وهذه المعلومة فيها من الدلالة ما فيها. فمثل هذا الرجل لا يصح عندي حديثه بما توفر عندي من معلومات و من ثم إن في كثير من المرويات عنه في أسانيدها مقال ثم إن المتن فيه ما فيه من المشاكل و يكفي أن في الرواية أن أبو أمامة سمعه عدة مرات و في البعض الروايات أوصلها إلى سبع مرات فما بال الصحابة لا يروون مثل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم هو الوحيد الذي حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خصّه بهذا الحديث من بين الصحابة! لا يستقيم هذا عند كل دارس للسيرة النبوية والله أعلم. 

الطريق الثاني عن أبي أمامة الباهلي فهو مخرّج أيضا في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أبو سعيد مولى بني هاشم و هو عبدالرحمن بن عبدالله بن عبيد البصري الملقب بـ”جردقة” عن عبدالله بن بجير بن حمران التميمي (أبو حمران) عن سيار القرشي الأموي عن أبي أمامة الباهلي. أما سيار القرشي الأموي فهو يكاد يكون مجهول الحال ليس له إلا أحاديث يسيرة غريبة عن أبي أمامة و لم يروي عنه هذا الحديث إلا عبدالله بن بجير ثم سيار هذا لم أجد أحدا ينص بأنه سمع من أبي أمامة والله أعلم. و سيار هذا لم يخرج له البخاري ولا مسلم و لا الإمام مالك أيضا فيما أعلم و هو غير سيار بن أبي سيار أبو الحكم العنزي الواسطي الذي أخرج له البخاري. ثم إن سيار هذا فيما قرأت مولى من خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان و هذا يضيف عليه شبهة أيضا. 

أما الطريق الثالث فأيضا مخرّج في مسند الإمام أحمد بن حنبل عن أنس بن عياض عن صفوان بن سليم عن أبو أمامة الباهلي. مشكلة هذا الطريق صفوان بن سليم، الذي قال عنه أبو داود السجستاني: “لم ير أحدا من الصحابة إلا أبا أمامة و عبد الله بن بسر” و المعروف أنه لم يسمع من الصحابة وكلام أبو داود يفيد المعاصرة لا السماع و هو في رواية الإمام أحمد بن حنبل لم يصرح بالسماع فالحديث إن صح كلامي فهو منقطع من هذا الطريق لا يصح. 

الطريق الرابع مخرّج في “المعجم الكبير” للطبراني عن أحمد بن إبراهيم بن عنبر البصري  و محمد بن الربيع بن شاهين عن أبو الوليد الطيالسي عن بأبو عزة الدباغ و هو الحكم بن طهمان عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلي. و هذه الرواية فيه أبو عزة الدباغ و عندنا روايات مختلفة قيلت فيه فمرة ينقل أن ابن معين ضعفه و مرة يقوي أمره. ثم هو تفرد بهذا الحديث عن شهر بن حوشب و من ملاحظة بعض مروياته وجدته أكثر من مرة يتفرد، فهو تفرد في حديث الحجامة عن أبي يزيد المديني و حديث سجود المرأة للرجل و هو جزء من الحديث السابق تفرد به عن أبي يزيد المديني و حديث النهي عن قرب المصلى لمن أكل الثوم فقد تفرد عن معقل بن يسار. ثم إن أصحاب الكتب الستة لم يخرجوا له! و حتى الإمام أحمد بن حنبل قد أخرج له في مسنده ولكنه تجنب أن يخرج هذه الرواية عنه!

الطريق الخامس مخرّج في كتاب “المستدرك” للحاكم عن أبو الحسين بن موسى الحُنيني عن أبو حذيفة النهدي عن عكرمة بن عمار عن شداد بن عبدالله أبي عمار عن أبي أمامة الباهلي. ففي هذه الرواية أبو حذيفة النهدي و هو موسى بن مسعود النهدي. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: “سمعت أبي وذكر قبيصة ، وأبا حذيفة ، فقال : قبيصة أثبت منه حديثا في حديث سفيان ، أبو حذيفة شبه لا شيء ، وقد كتبت عنهما جميعا” و قال ابن حجر في التقريب: “صدوق سيء الحفظ و كان يصحف” و قال ابن حبان: “يخطئ” و قال الترمذي: “يضعف في الحديث” و قال بندار: “ضعيف في الحديث، كتبت عنه كثيرا ثم تركته” و لكن يحيى بن معين يقول عنه هو خير من بندار ومن ملء الأرض مثله كما يروي أحمد بن محمد بن القاسم. و سُئل يحيى بن معين عنه: “لم يكن من أهل الكذب” و كأن في كلامه إشارة أن فيه ضعف ولكنه ليس من أهل الكذب ومثل هذا أيضا عن أحمد بن حنبل سئل عنه أهو من أهل الصدق فقال: “نعم، أما من أهل الصدق فنعم” وكأنه يريد يقول هو من أهل الصدق وليس من أهل الحديث والله أعلم وهذه مجرد ظنون مني لا أستطيع أجزم بذلك. قال الذهبي في الكاشف: “صدوق يصحف”. 

أما عكرمة بن عمار فمعروف الخلاف فيه بين أهل الحديث بين معدل و مجرح. قال أبو حاتم الرازي: “كان صدوقًا ، وربما وهم في حديثه ، وربما دلس” و هو في هذا الحديث عنعنه عن شداد بن عبدالله و لم يصرّح بالسماع. قال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري: “كان كثير الغلط” و قال ابن حجر في التقريب: “صدوق يغلط”. قال صالح بن محمد الأسدي: “كان ينفرد بأحاديث طوال ولم يشركه فيها أحد” و قال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش: “كان صدوقا و في حديثه نكرة” و نقل علي بن المديني قول يحيى بن سعيد القطان: “كان يحيى يضعف رواية أهل اليمامة مثل عكرمة بن عمار و ضربه” و البخاري كذلك تجنبه! ثم إن هذا الحديث بهذا المتن تفرد به عكرمة عن شداد بن عبدالله عن أبي أمامة و إنما الحديث معروف عن أبي غالب ولعله سمعه منه و لكن أخطأ في السند والله أعلم. 

أما الطريق السادس و الأخير فيما أعلم ففي تاريخ دمشق لابن عساكر عن الوليد بن مسلم عمن أخبره عن تميم بن مرداس مولى أنيس بن أبي مرثد الغنوي عن أبي أمامة الباهلي. و إليكم النص كما في تاريخ دمشق: “تميم بن مرداس الغنوي مولى أنيس بن أبي مرثد من أهل حمص قيل أنه دخل دمشق وحدث عن أبي أمامة الباهلي روى عنه شيخ للوليد بن مسلم لم يسمه ذكر أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي أخبرنا أحمد بن عمير حدثنا أبو عامر موسى بن عامر حدثنا الوليد قال واخبرني من سمع شيخا من أهل حمص يقال له تميم بن مرداس مولى أنيس بن أبي مرثد الغنوي قال: “جئ برؤوس ناس من الحرورية فنصبت على باب حمص أو دمشق الذي يحدثني يشك قال فرآها أبو أمامة فبكى فقيل له ما يبكيك فقال رحمة لهؤلاء الأشقياء ثم قال شر قبلي تحت ظل السماء كلاب النار لهم مخبثة من أصابها أضلوه ومن أخطأها قتلوه من قتلوه دخل الجنة ومن قتلهم فاز” قال تميم بن مرداس أنا سمعته من أبي أمامة”

آفة هذه الرواية ظاهرة و هو شيخ الوليد بن مسلم و هو مجهول و لم يسمه، ثم إضافة إلى ذلك تميم بن مرداس لم أجد له أية رواية إلا هذه الرواية و لم أجد من يوثقه فهو مجهول الحال. ثم إن هذه الرواية كما ترون لم يثبت فيها أبو أمامة أنه سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم! و لكن إن افترضنا بأنه لن يقول مثل هذه الأقوال من غير سماع من النبي صلى الله عليه وسلم فعندنا مشكلة السند. و لا يصح هذا السند لوجود مجهول و مجهول الحال والله أعلم. 


وبهذا أكون انتهيت من عرض جميع المرويات المنسوبة لأبي أمامة الباهلي عن الرسول صلى الله عليه وسلم و قد تبين لكم والله أعلم بأنه لا يصح أي طريق من هذه الطرق. لا طريق أبو أمامة الباهلي و لا طريق عبدالله بن أبي أوفى. أما ما سبب تصحيح بعض المشايخ للحديث فالغالب أنهم صححوا الحديث بسبب المنهجية التي يتبعونها في تصحيح الحديث بالضعيف و يعتبرونه كشاهد والله أعلم، ولعل عندهم علم في الموضوع لم أطلع عليه. فالذي أريد أن أقوله، فيما بين يدي من معلومات لا أرى بأن هذا الحديث يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم، و ما كان من صواب فمن الله و ما كان من خطأ فمن نفسي. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

No comments:

Post a Comment