Wednesday, February 18, 2015

دراسة حديث - الخوارج كلاب النار - الجزء الأول


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته… أخصص هذه المشاركة لإبداء بعض ملاحظاتي على الحديث المنسوب للرسول صلى الله عليه وسلم: “الخوارج كلاب النار” كثيرا ما أجد الدعاة يستدلون بهذا الحديث لتكفير الخوارج و تكفير كل من وقعت عليه شبهة بأنه خارجي وما إلى ذلك. و أكثر من أجدهم يروون هذا الحديث في مجالسهم و منتدياتهم و مواقعهم هم أولئك المشايخ و طلبة العلم الذين يكررون صباح مساء وليس لهم شغل سوى مدح ولاة الأمر سواء بالحق أو الباطل. و قد ذكرت سابقا بأنك تجد مدحهم لولاة الأمر يفوق ثناؤهم على الله سبحانه و تعالى بل ذكرهم أكثر من ذكر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يليق بأهل العلم و الديانة، طبعا سيقولون لكم بأننا نذكر الله في أنفسنا أو في بيوتنا. ثم إن هؤلاء الذين يُقال عنهم “علماء السلاطين” أو “الجامية” أو ما شابه ذلك، تجدهم ينشرون من سماحة الإسلام و رحمانية الإسلام و أنهم أبعد الناس عن التكفير و أحقنهم لدماء المسلمين، تجد الواحد منهم يتحول إلى وحش أو شيطان ولكن في هيأة إنسان! فما إن يجدون مسلما لم يعجبه أمر ما في موطنه أو في تعامله مع موظف حكومي أو ما شابه ذلك  فاستنكر ذلك إلا و يبدؤون بنغزه و لمزه واتهامه بالباطل أو يسردون أحاديث الطاعة و أحاديث الخوارج و أقوال العلماء في تكفير الخوارج و قتلهم و خاصة إن كان الطرف الآخر من الذين يحسدونهم. و الفتاوى التي خرجت من بعض البلدان العربية في قتل الخوارج و ما إلى ذلك معروفة لديكم و كثير منهم يستدلون بمثل هذا الحديث في الفتوى و تكفير المسلمين. 

أولا أحب أن أقول بأني والله لا أحب السياسة ولا أحب أن أخوض فيها، فإنها تجعل الحليم حيران، و إني والله أظن أن الأمن من أعظم نعم الله علينا فلا ينبغي كفران هذه النعمة لمن كان يتمتع بها، و الحمدلله أني أعيش في دولة مستقرة و آمنة أسأل الله أن يديم الأمن و الآمان في بلادنا و جميع بلاد المسلمين. و ثانيا أنا من الذين لا يؤيدون فكر الخوارج سواء ثبت حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يثبت فإن مفسدة زعزعة الأمن عظيمة و معروفة لدى الناس. لكن في الوقت نفسه أنا إنسان يحب الإنصاف و أسأل الله أن يجعلني منصفا دائما و أبدا فعندما أجد بعض من يُقال لهم الجامية اليوم (لا يقولون عن أنفسهم ذلك و لكن الذين أقصدهم أصحاب توجه فكري معروف) يستغلون الآيات القرآنية و الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم للرد على خصومهم و اشباع رغباتهم من غير مبالاة و تحقيق لما ينقلون، فإني وجدت بعضهم يحاول أن يضعف أي حديث لا يوافق هوى في نفسه و إن كان صحيحا و يصحح أي حديث و إن كان ضعيفا إن وافق الهوى وأسأل الله رب العرش العظيم أن لا يجعلني من هؤلاء و إنا لله و إنا إليه راجعون. 

أما حديث “الخوارج كلاب النار” فإني لا أخفيكم بأني منذ البداية و أشعر بأني أشم من هذا الحديث رائحة السياسة. و “كلاب أهل النار” هذا الوصف لا أدري ما أقول… لا أشعر بأنها لفظة نبوية (مجرد رأي شخصي)، لا أدري لماذا لا أستطيع أن أقبل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها (قبولي أو عدم قبولي لا يغير من حقيقة الأمر شيء). يغلب على ظني بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتفوه بحديث فيه دلالة على تكفير من يشهد لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و من يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة، فهذا شيء أستبعده حقيقة ولكن عندنا مرويات تقول خلاف ذلك و ليس عندي سوى التسليم مع حرج في صدري و دعاء الله سبحانه وتعالى أن يجعلني راضيا بما قضاه الله و رسوله فإني لم أبحث عنها بعد كي أثبت على موقف معين. و للأمانة سألت بعض أهل العلم عن هذا الحديث أكثر من مرة و لكني لا أجد منهم إجابات و إن وجدت من البعض فإنهم ينقلون حكم أهل الحديث من غير تحقيق. فقلت في نفسي لماذا لا أبحث بنفسي في الموضوع… و بعد هذه المقدمات أبدأ بالموضوع الأساسي، سأحاول التركيز على رواية من الروايات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم و هي رواية الصحابي عبدالله ابن أبي أوفى و إن لم أكسل بعد هذا لعلي أبدأ بالبحث عن بقية الطرق. 

أما حديث - “الخوارج كلاب النار” أو “الخوارج كلاب أهل النار” من طريق الصحابي عبدالله بن أبي أوفى فهو مخرّج في مسند الإمام أحمد بن حنبل و مسند الطيالسي و مصنف ابن أبي شيبه و في السنة لإبن أبي عاصم و السنة لعبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل و في مسند ابن أبي أوفى ليحيى بن محمد بن صاعد و المستدرك على الصحيحين. و أيضا مخرّج في آمالي المحاملي و معجم ابن الأعرابي و الشريعة للآجري و في شرح أصول الإعتقاد للإمام اللالكائي و في حلية الأولياء و في الأحاديث المختارة للضياء المقدسي. 

لن أسرد أسماء الرجال بالتفصيل فإن هذا يطول ولا أرى حاجة إلى ذلك، و السبب أن جميع هذه المرويات عن عبدالله بن أبي أوفى مروي من طريقين. الطريق الأول من طريق الأعمش عن عبدالله بن أبي أوفى و الطريق الثاني عن حشرج بن نباتة العبسي عن سعيد بن جهمان عن عبدالله بن أبي أوفى. عند اللالكائي صاحب “شرح أصول الإعتقاد” رواية شاذة عن محمد بن عبدالرحمن بن العباس عن عبدالله بن محمد بن عبدالله البغوي عن قطن بن نسير عن عبدالوارث بن سعيد بن ذكوان عن سعيد بن جمهان عن عبدالله بن أبي أوفى. 

الطريق الأول الآفة الأساسية في هذه المرويات رواية الأعمش عن عبدالله بن أبي أوفى، و ذلك لأن المعروف عند العلماء إلا قليل منهم بأن الأعمش لم يسمع من الصحابي عبدالله بن أبي أوفى. قال الإمام أحمد بن حنبل: “لم يسمعه الأعمش من ابن أبي أوفى” و قال أبو حاتم الرازي: “الأعمش لم يسمع من ابن أبي أوفى” و قال ابن عدي: “وليس للأعمش عن ابن أبي أوفى إلا حديث الخوارج، رواه إسحاق الأزرق عن الأعمش” قال العراقي: “مرسل” و قال الإمام الخليلي في كتاب الإرشاد: “روى عن ابن ابي اوفى حديثا واحدا قال ابن معين سألت يحيى بن سعيد عنه فكتب عليه إرسال” و في سير أعلام النبلاء للذهبي: “قد رأى أنس بن مالك وحكى عنه وروى عنه ، وعن عبد الله بن أبي أوفى على معنى التدليس” و من المعاصرين قال الشيخ الألباني: “الأعمش لم يسمع من عبد الله بن أبي أوفى ، وهو إلى ذلك مدلس” و قال الوادعي: “الصحيح أن الأعمش لم يسمع من أبي أوفى” إذا هذا الطريق لا يصح عندي.

الطريق الثاني، عن حشرج بن نباتة العبسي عن سعيد بن جهمان عن عبدالله بن أبي أوفى فلي وقفة كذلك. أولا سعيد بن جهمان، قال عنه أبو حاتم الرازي: “يكتب حديثه ولا يحتج به” و قال أبو داود: “هو ثقة إن شاء الله و قوم يضعفونه” قال البخاري: “في أحاديثه عجائب” و قال الذهبي في الكاشف: “صدوق وسط” و قال الساجي: “لا يتابع على حديثه” و قال النسائي: “ليس به بأس” و لم يخرج له البخاري في صحيحه شيئا فيما أعلم. إضافة إلى وجود سعيد بن جهمان فإن في السند أيضا حشرج بن نباتة و هو أيضا كالذي قبله مختلف فيه، قال البخاري: “لا يتابع على حديثه” و قال أبو حاتم الرازي: “يكتب حديثه و لا يحتج به” و قال ابن حجر في التقريب: “صدوق يهم” و قال أبو زرعة: “واسطي لا بأس به” و قال النسائي: “ليس بالقوي” و قال ابن حبان: “كان قليل الحديث، منكر الرواية فيما يرويه، لا يجوز الإحتجاج بخبره إذا انفرد” و قد انفرد حشرج بروايته عن سعيد بن جهمان! ظلمات بعضها فوق بعض! 


أما الطريق الثالث و الأخير، فكما قلت طريق شاذ و هو عن محمد بن عبدالرحمن بن العباس عن عبدالله بن محمد بن عبدالله البغوي عن قطن بن نسير عن عبدالوارث بن سعيد بن ذكوان عن سعيد بن جمهان عن عبدالله بن أبي أوفى، ففيه قطن بن نسير الذي قال عنه ابن عدي “كان يسرق الحديث و يوصله” و كان يحمل عليه أبو زرعة و قال عنه ابن حجر: “صدوق يخطئ” وبهذا انتهيت من عرض طرق الحديث عن عبدالله بن أبي أوفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن ندعي بأن الحديث صحيح من طريق هذا الصحابي. بقية لنا دراسة مرويات بقية الصحابة لهذا الحديث ولعلي أفعل ذلك في مشاركة قادمة. هذا والله أعلم و أسأل الله لي ولكم التوفيق و السداد، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته….

No comments:

Post a Comment