Sunday, September 28, 2014

الفساق هم أهل النار وهم النساء!؟




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أكتب هذه المشاركة لدراسة حديث سبب قلقا بين الناس وخاصة بين النساء وهو حديث: "إن الفساق هم أهل النار. قيل : يا رسول الله ! ومن الفساق ؟ قال : النساء . قال رجل : يا رسول الله ! أولسن أمهاتنا وأخواتنا وأزواجنا ؟ قال : بلى ؛ ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن ، وإذا ابتلين لم يصبرن" وطبعا كعادة بعض المشايخ اليوم قبلوا الحديث وحاولوا اخراج الحكم والفوائد من الحديث أو أن يُوفّقوا بينه وبين القرآن وما إلى ذلك قبل أن يبحثوا في سند هذا الحديث. والأسوء من ذلك من يقتطع جزءً من الحديث فقط لينفّر الناس عن الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم كما يفعل بعض ملاحدة العرب في موقع تويتر.

أولا الحديث المذكور هو جزء من حديث أطول والحديث كالتالي: " كتب معاوية الى عبد الرحمن بن شبل ان علم الناس ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجمعهم فقال اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول تعلموا القرآن فإذا علمتموه فلا تغلو فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكبروا به ثم قال ان التجار هم الفجار قالوا يارسول الله أليس قد احل البيع وحرم الربا قال بلى ولكنهم يحلفون ويأثمون ثم قال ان الفساق هم أهل النار قالوا يارسول الله وما الفساق قال النساء قالوا يا رسول الله أليس امهاتنا وأخواتنا وبناتنا قال بلى ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن ثم قال ليسلم الراكب على الراجل فالراجل على الجالس والأقل على الأكثر فمن أجاب السلام كان له ومن لم يجب فلا شئ له" أقول بأن جزء الحديث المذكور في بداية هذه المشاركة أخرجه الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم 3058 وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط عن اسناد الحديث: "اسناده صحيح" كما في تحقيقه لمسند الإمام أحمد بن حنبل.

هذا الحديث "إن الفساق هم أهل النار..." أخرجه كل من الإمام أحمد بن حنبل في مسنده وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط والمعجم الكبير وأخرجه الحاكم في مستدركه وابن عساكر في تاريخ دمشق و الكلاباذي في بحر الفوائد وفي جامع معمر بن راشد وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان وفي السنن الصغير وفي مسند عبد بن حميد. كما لاحظتم بأن الحديث ليس مخرّج في الصحاح وفي أشهر كتب الحديث, كالبخاري و مسلم و الترمذي و النسائي و أبو داود و ابن ماجه وابن حبان ولا الإمام مالك في موطأه. وإن الإمام أحمد بن حنبل لم يخرج جزء هذا الحديث إلا في رواية واحدة أما جزء "تعلموا القرآن..." و "التجار هم الفجار..." في أكثر من رواية فهذه ملاحظة. وبالرغم من ذلك فالحديث اشتهر عند طلاب العلم وعوام الناس بأنه حديث صحيح وذلك لتصحيح الألباني رحمه الله. ولكني في الحقيقة أتساءل عن صحة هذا الحديث! فالحديث لم يرويه أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عبدالرحمن بن شبل بن عمرو الأنصاري ولم يروه أحد عن عبدالرحمن بن شبل إلا ممطور الأسود الحبشي و أبو راشد الحبراني.

معظم طرق الحديث عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده (ممطور الأسود الحبشي) عن عبدالرحمن بن شبل. أخرج الحديث الإمام أحمد بن حنبل في مسنده و عبد بن حميد في مسنده عن عبدالرزاق الصنعاني عن معمّر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير. وأخرجه الحاكم في مستدركه عن محمد بن علي الصنعاني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبدالرزاق الصنعاني عن معمّر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير. وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبو القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل عن عبدالوهاب بن محمد بن اسحق عن أبيه (محمد بن اسحق) عن حاجب بن أحمد الطوسي عن عبدان بن محمد عن علي بن المبارك عن معمّر عن يحيى بن أبي كثير. وأخرجه الكالاباذي في بحر الفوائد عن حاتم عن يحيى عن يحيى عن علي بن المبارك عن معمّر عن يحيى بن أبي كثير. فكما تلاحظون هذه الروايات كلها عن معمّر عن يحيى بن أبي كثير. أما الطبراني فأخرجه من غير طريق معمّر كما في المعجم الأوسط عن أبو مسلم عن أبو عمر الضرير عن وهيب بن خالد عن أيوب يحيى بن أبي كثير. وكذلك أخرجه من غير طريق معمّر البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي عن محمد بن عمرو بن أبو جعفر البختري الرزاز عن محمد بن أحمد بن أبي العوام الرياحي عن عبد الملك بن عمرو بن القيسى عن يحيى بن أبي كثير. فكما تلاحظون هناك تفرّد في ثلاث طبقات ومثل هذا التفرّد يجعل المرء يتوقف ويفحص الحديث أكثر.

أما عن طريق أبو راشد الحبراني عن عبدالرحمن بن شبل فأخرجه الحاكم في مستدركه عن إبراهيم بن عصمة النيسابوري عن السري بن خزيمة بن معاوية أبو محمد الأبيوردي عن مسلم بن إبراهيم الأزدي عن هشام بن أبي عبدالله الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبو راشد الحبراني عن عبدالرحمن بن شبل. أما الطبراني في معجمه الكبير فأخرجه عن محمد بن يحيى الفزاز البصري عن موسى بن إسماعيل عن أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده (ممطور الأسود الحبشي) عن أبو راشد الحبراني عن عبدالرحمن بن شبل. أخرج عن أبان ابن يزيد ابن عساكر في تاريخ دمشق ولكن عن طريق هدبة بن خالد. ملاحظة أن الرواية المخرجة في تاريخ دمشق ومعجم الطبراني الكبير عن أبو راشد الحبراني ليس فيه بأن " إن الفساق هم أهل النار. قيل : يا رسول الله ! ومن الفساق ؟ قال : النساء..." الحديث إنما فيه الجزء الأول من الحديث "تعلموا القرآن..." وملاحظة أخرى فيما أخرجه الحاكم في مستدركه, فإن زين بن سلام وجده ليس لهم ذكر في سند الحديث بل مباشرة عن يحيى بن أبي كثير عن أبو راشد الحبراني.

لن أفصّل في رجال هذه المرويات فإن ذلك يطول جدا, ولكني باختصار أقول أولا بأن الصحابي عبد الرحمن بن شبل بن عمرو الأنصاري لم أجد له ترجمة كافية, وليس له سوى حديثان أو ثلاثة فيما أعلم. قصة طلب معاوية  وهو حديثنا الذين ندرسه, وحديث نقر الغراب وحديث أكل الضب وجميع هذه الأحاديث بحاجة إلى دراسة. وقيل عنه بأنه من فقهاء الصحابة كما قال ذلك الذهبي وأظن وصفه بهذه الصفة جاء من هذا الحديث في بعض الروايات بأن معاوية وصفه بأنه من قدماء صحابة الرسول ومن الفقهاء. الغريب بأنه إن كان فقيها لكثر طالبوه أو فتاويه إلا أنني لم أجد شيئا من ذلك وخاصة ليس هناك ما يمنع ذلك من السياسة فإن معاوية كان يأمره بأن يحدث. أما ممطور الأسود الحبشي وهو جد زيد بن سلام, قال عنه أحمد بن عبدالله العجلي: "شامي تابعي ثقة ، لم يسمع منه يحيى بن أبي كثير" وقال ابن حجر في التقريب: "ثقة يرسل" و قال الذهبي في الكاشف: "غالب روايته مرسلة ولذا ما أخرج له البخاري". أما يحيى بن أبي كثير فإن القوم قد وثقوه ولكن قال ابن حجر في التقريب: "ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل" و قال يحيى بن معين: "لم يلق يحيى بن أبى كثير زيد بن سلام ، وقدم معاوية بن سلام عليهم ، فلم يسمع يحيى بن أبى كثير منه شيئا ، أخذ كتابه عن أخيه ، ولم يسمعه ، فدلسه عنه" و قال أبو جعفر العقيلي: "كان يذكر بالتدليس" وبهذا يتبين لنا بأننا يجب أن نتوقف عن رواية يحيى بن أبي كثير عن أبو راشد الحبراني, فإن فعلنا ذلك وتبين لنا بأن بقية الروايات عن أبو راشد الحبراني ليس فيها ذكر النساء وأنهن الفساق الذي في النار فيكون عندنا فقط طريق واحد وهو يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن ممطور الأسود الحبشي عن عبدالرحمن بن شبل وهي معنعنة فلا يكاد يسلم منها شيء...

أما سبب تصحيح الألباني رحمه الله فأظنه لأنه يقوي الأحاديث بالشواهد وإن كانت ضعيفة و إن كان المتن مختلفا نوعا ما وقد وقع في هذا في أكثر من حديث. ولهذا تجده بأنه يقول عن موضوع خروج المهدي متواتر أو عن نزول عيسى بن مريم متواتر وما إلى ذلك ولكن عند التحقيق لا يكون كما يقوله الألباني رحمه الله. فأظن بأن الألباني رحمه الله قبل تصحيح الحديث الذي عنعنه يحيى بن أبي كثير عن أبي راشد الحبراني بسبب أنه وجد يحيى بن أبي كثير يصرح بالتحديث في سند آخر ولكنه أسقط هذه المرة ولكن هذا لا يُسلم له لأنه الخلل ربما ليس منه أي يحيى بن أبي كثير بل الذين من بعده فأسقطوا زيد بن سلام وجده والرواية تعتبر شاذة لمخالفتها كل الروايات الأخرى وفيها علل أخرى أيضا. ومن يتبع منهج محمد عمراني الصارم في الحديث, وإن افترضنا صحة جميع هذه الروايات وخلوها من جميع العلل فإن نسبة وثوقية هذا الحديث لن يتجاوز الـ50% وأما إن أخذنا الطريق الأقوى ونبذنا طريق أبو راشد الحبراني فإن نسبة وثوقية الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لن يتجاوز الـ6.25%.

اعلموا أيها الإخوة بأني لم أبحث بشكل تفصيلي عن رجال هذه الروايات بشكل تفصيلي وأعمق وأحلل بشكل عميق ولم أنتقد المتن بعد فإني رأيت بأنني لست بحاجة إلى ذلك! وذلك لظهور مشكلة الحديث. مع جميع الإشكالات المذكورة في الحديث فإنه لا ينبغي لأي مسلم أن يلزم مسلما آخر أن يؤمن بأن هذا الحديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولا ينبغي تكفير المسلمات التي رفضن هذا الحديث وحوله هذه الإشكالات التي ذكرتها في هذه المشاركة. ولعل لذلك لم يخرج هذا الحديث أصحاب الكتب الصحاح, أما عن نفسي شخصيا فإني أظن والله أعلم, بأني هذا الجزء من الحديث لا يصح عندي فإن صح شيء عن عبدالرحمن بن شبل فسيكون الجزء الأول من الحديث وهو: " يقول تعلموا القرآن فإذا علمتموه فلا تغلو فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكبروا به" فإنه أقوى سندا وأقل غرابة ونكارة. وأحب أن أنوّه بأنه هذه دراسة شخصية ولا يعني من هذه الدراسة بأني ألزم الناس بهذا الرأي, إنما أريد أن أقول أنه لا ينبغي أن نلزم الآخرين بالإيمان بهذا الحديث وتخويفهم إن هم أنكروه وتهديدهم بالنار والتكفير وما شابه ذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment