Sunday, September 21, 2014

هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفحشاء؟ الجزء الثاني




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... هذه المشاركة تابعة للتي قبلها, في المشاركة السابقة درست الحديث من جهة الإسناد وبيّنت بأن الحديث فيه خلل من جهة الإسناد. أما في هذه المشاركة سأحاول أن أبيّن لكم ما في متن هذا الحديث من إشكالات. لكن قبل أن أبدأ أدعوكم لقراءة ما كتبته سابقا في المدونة والتي كانت بعنوان: "سلسلة تصحيح مفاهيم - مسألة التوفيق بين النصوص" فإن بعض طلاب العلم والعلماء يتمسّكون بقاعدة التوفيق, فلا يجدون إشكالا إلا وتمحّلوا للتوفيق بين النصوص وإن كان كذبا. أما أنا فاخترت أن لا أفعل ذلك إن كان لابد لي أن أتكلّف وآتي بتأويلات باردة بل أحيانا تكون سخيفة للحفاظ على النص ظني الثبوت. للأسف استخدم بعض النصارى هذا الحديث للطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه, وهذا الحديث سبب قلقا بين عوام المسلمين وحرجا في صدورهم, وكان ذريعة للملاحدة للكفر بالله سبحانه وتعالى فكان لابد من دراسة الحديث. لمن لا يذكر الحديث, فإليكم متن الحديث الذي فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَعَزَّى بِعزاءِ الجاهِلِيَّةِ ، فأعِضُّوه بِهَنِّ أبيه ، ولا تَكْنُوا".

سبحان الله, كما قلت في مشاركات سابقة, كلما وجدت حديثا يصعب علي أن أقبله, أجد في كتاب الله ما يريده. أولا أقول بأن هذا الأمر (المذكور بالرد على من تعزى بعزاء الجاهلية) ينافي ما نعلمه من خُلق النبي صلى الله عليه وسلم, أولا لأن الله سبحانه وتعالى زكى خلق نبيه الكريم فقال في كتابه: ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) وإن قال الله عن أحد بأنه على خلق عظيم فإنك لن تستطيع أن تتخيل ذلك! قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "معنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن سجية له وخلقاً، وترك طبعه الجبلي، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جبله اللّه عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل". قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر". وقد أمره الله سبحانه وتعالى: ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)) فهل يكون الرد على الجاهل الذي تعزى بعزاء الجاهلية بهذه الكلمات البذيئة اعراض عن الجاهلين!؟ سبحان الله! وقد روي عنه عليه السلام عليه السلام رواية لا أقول صحيحة لكني أذكرها من باب الاستئناس أنه قال: "أدبني ربي تأديبا حسنا إذ قال ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)) فلما قبلت ذلك منه قال ((إنك لعلى خلق عظيم))".

قال الله عز و جل في كتابه: ((وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) وجدت في تفسير الشعراوي كلاما جميلا في هذا الباب, قال الشعراوي رحمه الله: "قالوا: إن الناصح بالخير يجب أن يكون لبقا؛ لأنه يريد أن يخلع الناس مما أحبوا وألفوا من الشر؛ لذلك يجب على الداعي ألا يجمع عليهم إخراجهم مما ألفوا بأسلوب يكرهونه بل لا بد أن يثير جنانهم ورغبتهم في اتباع المنهج، ولذلك جاءت هذه الآية: ((وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) لقد قال الحكماء: النصح ثقيل فلا نرسله جبلاً ولا تجعله جدلاً، والحقائق مُرّة، فاستعيروا لها خفة البيان. والخفة في النصح تؤلف قلب المنصوح، وحسبك منه أن تخلعه عما ألف وأحبّ. إلى ما لم يتعود، فلا يكون خلعه مما ألف بأسلوب عنيف. ولذلك يعلمنا الحق هذه القضية حين ندعو الخصوم إلى الإيمان به، وهؤلاء الخصوم يتخذون من دون الله أنداداً؛ أي جعلوا لله ومعه شركاء." وأتساءل فأقول, هل الأمر النبوي المزعوم في الحديث من هذا الباب؟ أو أن فيه شدة وكلمات بذيئة؟

أحب أن أسأل هؤلاء الذين يُشرّعون لمثل هذه البذاءة ومن ثم ينسبونها للنبي صلى الله عليه وسلم, ألستم تعترفون بما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأن خلقه (أي الرسول صلى الله عليه وسلم) كان القرآن!؟ ألا تروون عنه بأنه قال: "إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق", وتحفظون من أوامره ما تحفظون! ألم يقل النبي الكريم صاحب الخلق العظيم: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"؟ أليس في مرويات الصحاح الذي تصححونه قوله عليه الصلاة والسلام: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء"؟ ألم يوصف نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه أشد حياء من العذراء في خدرها؟ بعد كل هذا تقولون بأن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالتفحش والبذاءة والرد على من ارتكب الحرام بأسلوب هابط غير قرآني؟ ألسنا نجد في البخاري هذا الحديث: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا" ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَا ، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ ، أَوْ قَالَ: "تَوَضَّئِي بِهَا" فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." ألسنا نجد في البخاري حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: "إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ فاحشًا ولا مُتَفَحِّشًا ، وقال: إن مِن أحبِّكم إليَّ أحسنَكم أخلاقًا".

كلنا نعلم قصة المنافق عبدالله بن أبي وقوله: "ليخرجن الأعز منها الأذل" فهل رد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقول فاحش أو أمر أحد أصحابه بأن يسبه أو يعضه بهن أبيه؟ وفي حديث اليهودي الذي قال: "السام عليك" وكيف ردت عليها عائشة فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم, والقصة معروفة, كيف كان رده!؟ "وعليكم" فقط! وعندما رأى تفاخر المهاجرين والأنصار, ماذا كان رده؟ قال: "دعوها فإنها منتنة" هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. في الحقيقة بالرغم من قراءتي في كثير من كتب الحديث والسيرة لا أعلم أي حديث آخر منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه فحش فإنه يبتعد عنه وينهى عنه وتجده يعفّ لسانه إلا في هذا الحديث الذي أمر المسلمين بخلاف خلقه وما يروى عنه. والله إن هذا لشيء عجاب!

في القرآن الكريم أجد آيات فيها رد على المتكبرين على حسب فهمي للقرآن مثل قول الله سبحانه وتعالى: ((قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)) وقوله عز و جل: ((أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ)) وقوله عز من قائل: ((هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)) وقوله سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) و قال الله الملك الحق: ((سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)) وقال أيضا: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)) و قال سبحانه: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) وقال عز و جل: ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)) وقال الرحمن الرحيم: ((وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) وقال الله: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) هكذا تعلمنا من كتاب ربنا في معاملة هؤلاء وهناك فرق واضح بين كلام الله وحسنه ولطفه وبين ما في الحديث المذكور وهذا بيّن و ظاهر لمن له ذوق.

من تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والثابت من أخباره ثم يقارنه بالقرآن الكريم وجد الشبه العظيم, أما هذا الحديث فلا يشبه خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فيه شبه من القرآن. إن سلّمنا وإياكم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن, فأين تجدون في القرآن مثل هذا السب والفحش؟ والله لن تجدوا شيئا من ذلك! ثم للقائلين بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتهد في أمور الدين, وهذا من الدين كما تزعمون وكما يدل عليه فعل أبي بن كعب, وهذا يعني أن الله أوحى إليه بأن يأمر المسلمين بعض هن أب من تعزى بعزاء الجاهلية, وما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من الله, فهل تستطيعون أن تقولوا بأن الله أمر نبيه أن يأمر الناس بمثل هذا القول؟ أكاد أجزم أي إنسان عاقل غير مقلد ذو قلب سليم لم يُغسل مخه بعد إلا و سيجد حرجا فقط بمجرد التخيل أن الله يأمر بمثل هذا! ((وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) فإن أصريتم على ذلك فأقول: ((كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً))

فإن قيل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك لردع هذه الظاهرة وليعاقب الطرف الآخر ويكفه عن المفاخرة, فإننا نعلم اليوم وبالتجربة بأن مثل هذا الأسلوب يزيد في الطين بلة, بل قد ينشب قتال بين الطرفين بسبب هذه المسبة وأظن كثير منا شاهد ذلك من أيام الطفولة إلى اليوم! فإن قلتم بأن الكلام لا يعتبر من الفحش فأقول لماذا أنكروا على أبي بن كعب وقالوا كما في بعض الروايات: "لم تكن فحّاشا"!؟ الكلمة قبيحة وشنيعة. ربما يوردون عليكم أيها الإخوة بكلام الإمام ابن تيمية أو تلميذه ابن قيم الجوزية رحمهم الله ويحاولون التوفيق ولكن كلامهم للمنصف ليس بشيء وأنا أنقل بعضا منها, قال ابن تيمية رحمه الله كما في المنهاج: "ولهذا قال من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة ، والمصلحة ، وليس من الفحش المنهي عنه، كما في حديث أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا من باب التوفيق الذي قصدته في بداية المشاركة, والحقيقة لم يكن ليقولها إن لم يكن عنده هذا الحديث, فبما أنه وجد هذا الحديث فصل الفحش إلى فحش مباح وفحش منهي عنه! قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: " ذكرُ " هَنِ " الأب لمن تعزَّى بعزاءِ الجاهلية ، فيقال له : اعضُضْ هَنَ أَبِيكَ ، وكَانَ ذِكرُ " هَنِ " الأب هاهنا أحسن تذكيراً لهذا المتكبِّرِ بدعوى الجاهلية بالعُضو الذى خَرَجَ منه ، وهو "هَنُ " أبيه ، فَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أن يتعدَّى طَوْرَهُ" أقول كان يكفيه أن يذكره أصل خلقه كما في كتاب الله سبحانه وتعالى: ((أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ)) وليس فيه إهانة للأب, فما ذنب الأب هنا كي نسبه!؟ ألم يخرج البخاري و صحح الألباني حديث عبدالله بن عمرو: ((إنَّ مِن أكبرِ الكبائرِ أن يلعَنَ الرَّجُلُ والدَيهِ فاستَغرَبَ القَومُ أن يلعَنَ رجلٌ عاقِلٌ مُؤمِنٌ وَالِدَيهِ و هُما سبَبُ حياتِهِ فقالوا: و كيفَ يلعَنُ الرَّجل والدَيهِ ؟ قال: يَسبُّ أبا الرَّجُلِ فيسبُّ أباهُ و يسُبُّ أمَّهُ فيَسُبُّ أمَّهُ)) ؟ فهذا الحديث فيه سب صريح و قبيح لأب الرجل! وإلى اليوم حتى الصغار عندنا إن وجد أحدا يسب أباه يرد عليه: " أنت تسب أبوي يا الكلب ابن الكلب و يا ابن الفاعلة...الخ" هذا نجده إلى اليوم حتى بين الصغار فما بالكم بالرجال.

وربما يستدلون عليكم بأن الصحابة عملوا بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم كما يروون في قصة الحديبية بأن أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال لعروة بن مسعود: " امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ" أولا أقول بأني لم أبحث هذا الحديث من جهة الإسناد ولكن بما أنه في البخاري سأتنزّل وأقول بأن أبو بكر قالها, لكن ما الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك؟ الأمر الآخر, أن الحادثة مختلفة والموقف مختلف, ففي قصة الحديبة بدأ عروة بن مسعود بسب الصحابة وإهانتهم فرد أبو بكر بدلا عنهم جميعا, قال الله سبحانه وتعالى: ((لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)) فلم يُظلم أبو بكر وحده بل ظلم الصحابة كلهم بسبب قول عروة بن مسعود, أما في قصة أبي بن كعب فالرجل تعزى بعزاء الجاهلية ولم يسب أبي بن كعب . وأما تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني جواز هذا الفعل, فإنه في ذلك الموقف سكت عن أمور كان ينهى عنها من قبل وهذا معروف. أخيرا كان من المعروف أن أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان فيه حدة, ألا تروون عنه بأنه كان يقول وهو يشير إلى لسانه: "هذا الذي أوردني الموارد، هذا الذي أوردني الموارد"؟ فأين لكم بأن الصحابة عملوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم المزعوم؟

والله أيها الإخوة إننا لنخجل أن نقرأ متن الحديث أمام العامة ويستحي أن يقرأه أمام أبنائه وبناته, ولكني لا أستبعد أن يأتيني أحمق لا يعرف ماذا يخرج من رأسه فيستدل بآية في غير موضعها ولا يعلم فيما نزلت ولم فيقول ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) ولكن إن تجاهل علينا فلإنسان أن يجهل عليه بمثله فيقول قال الله سبحانه وتعالى: ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) ! وهذا الحديث فيه حرج! غريب أيها الإخوة, يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: "الحياء من الإيمان" ويلزموننا بالإيمان بحديث آحاد في سنده مشاكل كثيرة و في متنه نكارة و خدش صريح للحياء, فإن لم نؤمن كفرّونا والعياذ بالله! هذا بالرغم من أن الحديث المذكور يخالف تعاليم القرآن ويخالف الثابت من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته و خلقه, ويخالف فعل الصحابة الذي كان الواحد منهم يُنزه لسانه عن سب الحيوانات! لا ينبغي لهؤلاء أن يلزمونا بالإيمان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه كل هذه الإشكالات في الحديث, أما من يقول بالتوفيق بين الأحاديث, فإن القوم قادرون على أن يوفقوا بين ما هو مكذوب وما هو حق إن أرادوا ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله, والله المستعان على أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment