Saturday, September 20, 2014

هل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفحشاء؟ الجزء الأول




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...  سبب هذه المشاركة أني كنت في مجلس جمعني مع شيخي وأخي وبعض الإخوة الفضلاء, فكنا نتحدث في هذا المجلس بأمور تتعلق بعلم الحديث, واحتد النقاش إلى أن تطرقنا لحديث: "من تعزى بعزاء الجاهلية..." الحديث فقلت لهم مستحيل أن أقبل هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل أكاد أجزم بأن الحديث لا تصح نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم, إلا أن الإخوة أنكروا علي ذلك وقالوا أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني...الخ لكني قلت لهم لن أقبل بذلك وإن صححوا الحديث, فطبعا أنكروا علي ذلك, وحتى أخي الذي كان في صفي تردد من موقفي وكان أرسل لي من قبل توجيه الحديث بأن الحديث قد يكون صحيحا وإنما المقصود كذا وكذا. والحديث صححه الألباني وشعيب الأرناؤوط وأبو اسحق الحويني ومقبل و أحمد شاكر وغيرهم, وربما هذه الأسماء ترعب الناس فلا يجرؤون على البحث من بعدهم, إلا أني أحمد الله بأنه لم يجعل في قلبي خوفا عند سماع أسماء الرجال, فإنهم رجال ونحن رجال, والبحث جائز لهؤلاء وهؤلاء و ((وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)). فإن قالوا بأن هؤلاء علماء وأنت بقّال أو خبّاز أو لحّام أو ما شابه ذلك, أقول, أكون بقالا باحثا يعرف ما يخرج من رأسه خير من أكون عالما مقلدا لا يعلم ما يخرج من رأسه (لا أقصد العلماء المذكورين أو أحد من الناس بعينه إنما بشكل عام), وبما أن معنى الحديث لم أقبله قلت أكتب هذه المشاركة لدراسة الحديث سندا ومتنا بما يتيسر لي, فأسأل الله أن يوفقني ويسددني ويلهمني رشدي, فإن وجدتم بأني أصبت فخذوا بكلامي وإلا فخذوا بكلام من ترضون أدلته.

نص الحديث: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ : إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ ؛ إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا : "إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا" و في رواية "مَنْ تَعَزَّى بِعزاءِ الجاهِلِيَّةِ ، فأعِضُّوه بِهَنِّ أبيه ، ولا تَكْنُوا" . والهن هو عضو الرجل, ومعنى فأعضوه، أي: قولوا له: "عُضَّ هن أبيك" وقد يُقال بأن معنى فأعضوه: أي: اشتموه صريحاً وهو مفهوم من حديث عبدالله بن عمرو مع والده في قصة زواجه, وقد يُقال قولوا له عض أير أبيك، والهن كناية عما يستقبح، وهو عورة الرجل والمرأة. ولا تكنوا أي بمعنى لا تروي عنه بغيره أي اذكره صريحا. وجميع هذه المعاني قبيحة ولا تليق بخلق سيد المرسلين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ما جعلني أغضب عندما علمت بأن هناك من يُصحح المرويات عنه فيقولون بأنه أمر ذلك. إننا نستحي أن نذكر هذه الألفاظ أمام أباءنا أو أبنائنا وأزواجنا والرسول كما قيل عنه بأنه أشد حياء من العذراء في خدرها, فأين هذا الحديث وأين ما يقال عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم. سأفصل التعليق على المتن في مشاركة مستقلة, وسأخصص هذه المشاركة لدراسة سند الحديث. وجدت تخريج الحديث في أكثر من 15 كتابا من كتب الحديث. من هذه الكتب, الأدب المفرد للبخاري, ومسند الإمام أحمد بن حنبل ومصنف عبدالرزاق الصنعاني ومصنف ابن أبي شيبة و السنن الكبرى للنسائي و مشكل الآثار للطحاوي و جزء فيه فوائد مخلد. وأيضا في صحيح ابن حبان و المسند للشاشي و المعجم الكبير ومسند الشاميين كلاهما للطبراني وفي عمل اليوم والليلة لابن السني وجزء الألف دينار للقطيعي و طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني ومعرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني و شرح السنة للبغوي وهناك كتب أخرى إلا أن ما ذكرته فيه أصول هذا الحديث.

الظاهر بأن الحديث استفاض بعد عوف بن أبى جميلة العبدى وعوف روى الحديث عن الحسن البصري عن عتى بن ضمرة التميمى عن أبي بن كعب. أما عوف بن أبي جميلة محمد بن سعد: كان ثقة ، كثير الحديث ، وقال بعضهم يرفع أمره : إنه ليجيء عن الحسن بشيء ما يجيء به أحد, قال : وكان يتشيع وأما ابن حجر قال في في التقريب: ثقة رمى بالقدر و بالتشيع. وأما الحسن البصري فكان يرسل كثيرا ويدلس وهذا معروف عنه, وأما عتي بن ضمرة التميمي فلا يكاد يُعرف. قال محمد بن سعد : روى عن أبى بن كعب و غيره ، و كان ثقة قليل الحديث. قال أحمد بن عبد الله العجلى : روى عنه الحسن ستة أحاديث و لم يرو عنه غيره, قال على ابن المدينى: عتى بن ضمرة السعدى ، مجهول ، سمع من أبى كعب, لا نحفظها إلا من طريق الحسن ، و حديثه يشبه حديث أهل الصدق و إن كان لا يعرف. وله عن أبي بن كعب حديث شيطان الوضوء المعروف بالولهان والحديث ضعيف. فعتي بن ضمرة إضافة إلى أنه مجهول إلا أني لم أجد له حديثا واحدا يصح من غير شبهات! بل لا أعلم له حديثا غير هذا الحديث وحديث الوضوء وإن قيل بأن له مرويات أخرى. ثم وإن صح الحديث عن الحسن فإنه في جميع طرق الحديث عن الحسن, فإنه يعنعن و لم يصرح بالسماع في أي من الروايات المتعلقة في هذا الحديث. فآفة الخبر منه ومن عتي بن ضمرة التميمي. فإن قيل بأنه لا بأس بتدليس الحسن عن التابعين قلت لا يُسلم لهم ذلك, وإن سلمنا ذلك فنحن ليس عندنا معلومات كافية عن عتي بن ضمرة التميمي. إضافة إلى ذلك, جميع المرويات عن عوف بن أبي جميلة عن الحسن البصري عن عتي بن ضمرة التميمي عن أبي فيها الآفة المذكورة إضافة إلى مشاكل أخرى في رجال السند, وتفصيل ذلك يطول جدا. الذي أريد أن أقوله بأن رواية أحمد بن حنبل والبخاري و الطبراني و البغوي والقطيعي والأصبهاني و وابن حبان و النسائي و الشاشي والطحاوي عن عوف بن أبي جميلة عن الحسن البصري عن عتي بن ضمرة التميمي عن أبي بن كعب لا تغني شيئا ولا ينبغي أن يُلتفت إليها إلا عند الذين يقوون الحديث بكثرة الطرق الضعيفة وقد ذكرت في مشاركات سابقة رأي الشخصي حول هذا المنهج الذي قلت عنه بأنه ضعيف, من أراد أن يقرأ كلامي بالتفصيل فليرجع إلى ما كتبته في المدونة عن بعض مسائل علوم الحديث ومسألة التواتر والتواتر المعنوي وغيرها من المشاركات.

أما طريق يونس بن عبيد بن دينار العبدى عن الحسن البصري عن عتي بن ضمرة التميمي عن أبي بن كعب, فقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عن عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمى عن يزيد بن زريع العيشى عن يونس بن عبيد, وروى أيضا عن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي عن يونس بن عبيد. وعن إسماعيل بن إبراهيم مخرج في فوائد مخلد أيضا عن محمد بن مخلد العطار الدوري عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفرانى عن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي عن يونس بن عبيد. أما في طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني فأخرجه عن محمد بن أحمد بن راشد الثقفي عن أحمد بن راشد الثقفي عن النعمان بن عبد السلام بن حبيب الأصبهانى عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد وآفة هذه الطرق من الحسن البصري وعتي بن ضمرة التميمي.

أما طريق مبارك بن فضالة عن الحسن البصري عن عتي بن ضمرة التميمي فقد رواة البخاري في الأدب المفرد و أبو بكر بن أبي خيثمة. أما البخاري فأخرجه عن عثمان بن الهيثم و أبو بكر بن أبي خيثمة فأخرجه عن موسى بن إسماعيل. وآفة هذا الطريق مبارك بن فضالة, فقد قال عنه قال أبو داود: كان شديد التدليس . وقال أيضًا : إذا قال مبارك : حدثنا فهو ثبت ، وكان يدلس إلا أنه لم يقل حدثنا بل عنعن, وقال النسائي: ضعيف. وقال يحيى بن سعيد القطان: لم أقبل منه شيئا إلا شيئا يقول فيه حدثنا واختلفت الرواية عن ابن معين, فمرة قال عنه ضعيف ومرة قال عنه ثقة كما قال أبو بكر بن أبي خيثمة. قال نعيم بن حماد عن عبد الرحمن بن مهدي : لم نكتب للمبارك شيئا إلا شيئا يقول فيه : سمعت الحسن وفي هذه الطرق لم يصرح مبارك بأنه سمع عن الحسن. ثم يُقال في هذه الطرق كما قيل من قبل, ففي الطرق الحسن البصري وعتي بن ضمرة التميمي. أما عن طريق السري بن يحيى بن إياس الشيباني فرواه النسائي في كتابه السنن الكبرى و روى عن النسائي الطحاوي في مشكل الآثار عن أحمد بن محمد بن المغيرة بن سنان الأزدى الحمصى عن معاوية بن حفص عن السري بن يحيى, وآفة الطريق الحسن وعتي.

وقد روى الحديث كل من النسائي وأبو بكر بن أبي شيبة بطرق أخرى ليس فيها عتي بن ضمرة التميمي. فالنسائي أخرج عن محمد بن هشام بن شبيب السدوسى عن خالد بن الحارث بن عبيد بن سليمان الهجيمى عن أشعث بن عبد الملك الحمرانى عن الحسن البصري عن أبي بن كعب. أما أبو بكر بن أبي شيبة فأخرج في مصنفه عن وكيع بن الجراح عن كهمس بن المنهال السدوسى عن الحسن البصري عن أبي بن كعب وكلا الطريقان لا يصلحان بسبب الانقطاع بين الحسن البصري وأبي بن كعب.  وهناك طريق آخر أخرجه أحمد في مسنده عن محمد بن عمرو بن العباس أبو بكر الباهلى عن سفيان بن عيينة عن عاصم بن سليمان الأحول عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل بن عمرو النهدى عن أبي بن كعب. وفيه قال صالح بن أحمد بن حنبل، عن علي بن المديني : سمعت يحيى بن سعيد القطان ، وذُكر عنده عاصم الأحول ، فقال : لم يكن بالحافظ. قال عباس الدوري، عن يحيى بن معين : كان يحيى بن سعيد يضعف عاصمًا الأحول وفيه سفيان بن عيينة ولم يصرح بالسماع.

والحديث يرويه عجرد بن مدراع التميمي عن أبي بن كعب وجميع أسانيد الطرق عنه ظلمات بعضها فوق بعض! أخرج الطبراني في معجمه الكبير عن أحمد بن مسعود الخياط المقدسي الدمشقي عن عمرو بن أبى سلمة التنيسى عن سعيد بن بشير الأزدي عن قتادة بن دعامة السدوسي عن الحسن البصري عن عجرد بن مدراع التميمي عن أبي بن كعب. ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة عن موسى بن عمر القلزمي عن محمد بن عباس بن خلف عن عمرو بن أبى سلمة التنيسى عن سعيد بن بشير الأزدي عن قتادة بن دعامة السدوسي عن الحسن البصري عن مكحول عن عجرد بن مدراع التميمي عن أبي بن كعب. فأولا لم أجد شيئا عن عجرد بن مدراع التميمي أقصد لم أجد له غير هذا الحديث, ثم إن الحسن وقتادة ومكحول معروفين بالتدليس ثم إن سعيد بن بشير الأزدي ضعيف. واجتمع في الطريقان كل من سعيد بن بشير الأزدي و قتادة و الحسن البصري وعجرد بن مدراع التميمي, فلا يُلتفت إلى روايات بمثل هذه الأسانيد المتهافتة.

الراجح عندي أن الحديث ضعيف إن شاء الله ولا يصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم, هذا من ينتهج نهجي في عدم تقوية الأحاديث بالضعيف, أما من ينتهج نهج الألباني رحمه الله وغيره من المحدثين المعاصرين فأن الحديث قد يرتقي عندهم إلى درجة الحسن لغيره. فإن صح الحديث عن أبي بن كعب فهو من أحاديث الآحاد وقد تعلمون جميعا فيما قيل عن أحاديث الآحاد وخاصة أن القوم أنكروا عليه ولم يُعرف أمر النبي صلى الله عليه وسلم والذي يتبين من الروايات أنها لم يخصصها لأبي بن كعب. ومن يتبع منهج الدكتور محمد عمراني ويضع بعين الإعتبار كل ما قيل في هذه المشاركة, فالحديث سيكون ضعيفا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهناك نقطة أخرى, هناك من العلماء من يجرح المدلسين الذين اشتهروا بالتدليس, فإن كنت من الذين يرون أن التدليس فيه جرح للراوي فلن يثبت لك هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والله. و سوف أكتب مشاركة أخرى لنقد متن الحديث في مشاركة قادمة إن شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment