Wednesday, August 20, 2014

سلسلة تصحيح مفاهيم - عدالة الصحابة


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كتبت من قبل في مدونتي محاولات لتصحيح بعض المفاهيم التي وجدتها غير صحيحة في سلسلة: "تصحيح مفاهيم" وأغلب ما كتبته كان يتعلق بمواضيع تخص علم الحديث. والسبب في ذلك خطورة هذا العلم, وأقصد بالخطورة, الأهمية والنتائج التي قد تسبب أضرارا للمسلمين أو العكس وذلك لأن أهل الحديث معظم رواياتهم ينسبونها للنبي صلى الله عليه وسلم. وإن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا فلابد من الإيمان والعمل به, وإن نُسب إليه أمر كذب, فلابد أن نكذبه ولا يضرنا من كان يروي هذا الكذب.

طبعا قبل الخوض في هذه المسألة لابد أولا أن ننهي مسألة "عدالة الصحابة" فقد كثر خوض الناس في هذه المسألة قديما وحديثا, فمن قائل بأن الغالبية كفار وخانوا الله ورسوله والعياذ بالله, ومن قائل بأنهم جميعا عدول ولكنهم غير معصومين ومن قائل بأن منهم الصالح والطالح وليسوا كلهم عدول وليسوا كلهم كفار وخونة. وكل فريق يستدل على قوله بآيات من كتاب الله سبحانه وتعالى أو أحاديث منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم. عن نفسي, أحب الاعتدال والوسطية, وإني أرى بأن القول الثالث هو الأقرب إلى الحق إن شاء الله, أقصد بأن من الصحابة الصالح ومنهم غير ذلك. ولكن لابد أن أنوّه على أمر ما, فأنا أختار هذا القول الثالث فقط بناء على تعريف أهل السنة والجماعة للصحابة وهو أوسع تعريف. أما من يرى أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة قليلة وأنهم لا يتجاوزون العشرة أو ما شابه ذلك, فهنا الأقرب في رأيي الشخصي بأنهم جميعا عدول إلا أنهم أيضا غير معصومين. وما ذكرته من الأمور المهمة وعلى الدارس أن يفرق ويعرف الفرق لكيلا يتهم إخوانه من المسلمين ظلما. كل من الدكتور عدنان ابراهيم والأستاذ الباحث حسن فرحان المالكي لهم بحوث في موضوع عدالة الصحابة فمن أراد أن يبحث أكثر في هذه المسألة أن يرجع إلى ما قد كُتب في هذا الموضوع, لكن ملخص هذه الأبحاث بأن من الصحابة من هو محسن ومن هو ظالم لنفسه.

طبعا من يقرأ كلامي من المتعجلين الذين لم يتعمقوا في البحث, سيتهمونني بأني تأثرت بكلام أصحاب القراءات المعاصرة, أو بدأت أقرب إلى التشيع أو بدأت "أتزندق"! ولكني قبل الخوض في بعض الأدلة أحب أن أقول بأن معظم اختياراتي العقدية والفقهية هي نفسها اختيارات أهل السنة والجماعة, ولكني لا أرضى لنفسي أن أصنّف نفسي فأقول سني, ولكني أقول مسلم وكفى, وذلك لعدم الانتماء إلى فرق وأحزاب, عملا بقول الله سبحانه وتعالى: ((إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)). أحب أن أقول أني لن أُعلّق على استدلالاتهم بالأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة والعلماء, لأن ذلك بحاجة إلى كتاب بأكمله, ولكني سأحاول التعليق على استدلالهم بآيات من القرآن هي الأشهر بالنسبة لهم بشكل مختصر.

بعض الناس يستدل بآيات الله سبحانه وتعالى للقول بأن الصحابة كلهم عدول ولكني أظن فهمهم للآية ليس في محله. ولنضرب أمثلة على ذلك, قالوا بأن الله رضي عنهم جميعا وذلك لقوله سبحانه: ((لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) أقول ليس في هذه الآية دليل على أن الله رضي عن جميع من تسمونهم بالصحابة؟ من أين أتيتم ذلك؟ إنما الآية مختصة بالذين بايعوا تحت الشجرة, أهل بيعة الرضوان ولا علاقة لها بسائر الصحابة، بل في الحقيقة هذه الآية كما تبدو لي أخص من ما يدّعونه! ثم إن الله سبحانه وتعالى قد جعل في هذه الآية قيدا ربما خفي عليهم, و ذلك في قوله: (إذ يبايعونك تحت الشجرة) فالله لم يقل بأنه رضي عنهم في جميع الأحوال, ولكنه قيّد. لنفترض أني فاسق وإني أعصي الله باستمرار والعياذ بالله, إلا أنني في يوم من الأيام صليت صلاة كنت خاشعا فيها وأديت جميع شروط وأركان الصلاة... ما الذي يغلب على الظن؟ يغلب على الظن بأن الله يتقبل مثل هذا, ولكني بعد أشهر عدت إلى عصياني لأوامر الله والعياذ بالله. فهل بسبب قبول صلاة واحدة أو رضاء الله لفعل واحد يجعلني في مأمن وأكون أهلا للثقة بشكل مطلق؟ لا أظن بأن عاقلا سيقول نعم!

وهناك إشارة لتأكيد ما أقوله في آية أخرى ولكن ربما غفلنا عنها, قال الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)) قال القرطبي رحمه الله: "فمن نكث بعد البيعة. (فإنما ينكث على نفسه) أي يرجع ضرر النكث عليه، لأنه حرم نفسه الثواب وألزمها العقاب" فاحتمال النكث موجود وقد ذكر الله نتيجة النكث وهذا ظاهر وبيّن وإلا لو كان كما يقولون بأنه رضي الله عنهم مطلقا فلم رهّب ورغّب؟ القول بأن الله رضي الله عنهم مطلقا وكلهم في الجنة وغير ذلك, أقول بأنه قول على الله بلا علم وكفى به اثما مبينا. فالمسلم عليه أن يقول أيضا نحن رضينا عن المؤمنين إذا بايعوا تحت الشجرة, ومن نكث منهم فلا ينبغي لنا أن نقول عنهم عدول, ومن تمسك بعهده نقول نعم هؤلاء هم العدول. ولكن كيف نعلم من نكث ومن لم ينكث!؟ الأمر ليس بالصعوبة التي يظنها الناس, إنما توزن أفعالهم وأقوالهم بكتاب الله سبحانه وتعالى والصحيح الثابت من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم, فما وافق نقول نعم, وما خالف نقول لابد من الحذر من مروياته. فالعبرة باستقامة الراوي (سواء كان صحابيا أو تابعيا) وعدم احداثه ما يخل بعدالته.

مثال آخر يستدلون بقول الله سبحانه وتعالى: ((واَلسَّابِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)) فيقولون رضي الله عنهم ورضوا عنه وهذا يعني أن جميع الصحابة في الجنة. أولا كما قلت لابد من الثبات على تعريف واحد للصحابة, فالقوم قد اختلفوا في تعريف الصحابي على أكثر من قول وهذا معروف في كتب الأصول والحديث. ثانيا الاستدلال أظنه والله أعلم في غير محله, لأن الله سبحانه وتعالى قال (السَّابِقُونَ الاْوَّلُونَ) وكلنا يعلم بأن ليس جميع من يسمونه اليوم صحابي كان من السابقون الأولون, بل إنهم أيضا اختلفوا في تعريف "السابقون الأولون" على عدة أقوال, فأي علاقة بعموم الصحابة ؟ نص الآية لا يوحي أبدا بعدالة جميع من تصنفونهم من الصحابة, إنما السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار (وهنا ملاحظة أخرى لم يقل الله المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم, إنما خصص فقال والسابقون الأولون, ولكن أيضا قد يُقال بأن "من" بيانية فيكون المعنى كل المهاجرين والأنصار).  وأيضا اختلف العلماء في تعريف (الذين اتبعوهم بإحسان) على عدة أقوال, ولكن لابد أن نفهم متى انقطعت الهجرة, وهذا مهم لتمييز من هو من المهاجرين ومن هو ليس من المهاجرين والأنصار فلعله يكون من الذين اتبعوهم و سبحان الله فإنه قيّد الذين اتبعوهم فقال (بإحسان) فننظر في كل من كان من غير المهاجرين والأنصار (هذا إن افترضنا أن المقصود "بمن" البيانية) هل اتبعوا بإحسان أم لا.

قد تقول لم تبحث في موضوع عدالة الصحابة أو تريد أن تفصل بين المهاجرين والأنصار ومن اتبعوهم, أقول كل هذا دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم. كما أننا نحترم الصحابة والتابعين لهم بإحسان والرواة والعلماء, فلابد أن يكون احترامنا ودفاعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم بكثير. ولا نُكرم من يكذب على رسول الله, فإن الكذب على رسول الله ضرره عظيم وقد كتب في أضرار الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابات ومقالات, من الذي سيتأثر؟ الأمة بأكملها. لنفترض أن أحدا من الذين نُصنّفهم من الصحابة, رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وهو ليس من المهاجرين والأنصار, أمر فيه مثلا بقتل كل من يفعل كذا وكذا والمسلمون من شدة حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم, بادروا بتنفيذ أوامره وقاموا بالقتل لأنهم ظنوا بأن هذا الحديث فعلا صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم تبين لنا بعد الدراسة والبحث بأن هذا الذي جعلوه صحابيا و رضي الله عنه, لم يكن صحابيا إنما من الذين اتبعوا الصحابة, ولكنه لم يتبع بإحسان بل كان ظالما لغيره ولنفسه. فكل هؤلاء الذين ماتوا ربما كان نتيجة كذبة نسبها هذا الشخص إلى النبي عليه الصلاة والسلام, فهل سيرضيك أنت كمسلم ذلك؟ يثور غضبنا فقط إن نسب أحدهم إلينا قولا لم نقله ونحزن وربما نقع في شجار مع من نقل هذا الكلام أو نرفع قضية, ثم لا نبالي بما يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقط لحجة قد بيّنت ضعفها في هذه المشاركة بأنهم كلهم عدول وكلهم في الجنة؟ هذا والله المستعان, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

No comments:

Post a Comment