Monday, August 4, 2014

الرايات السود والدولة الإسلامية في العراق والشام



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

قررت أن أكتب هذه المشاركة بعد قراءتي لمقال الباحث الإسلامي الشيخ حسن فرحان المالكي عن الأثر المنسوب لعلي بن أبي طالب في الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). والأثر المنسوب لعلي بن أبي طالب هو: "إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض فلا تحركوا ايديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى  ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق من يشاء" وللأسف هذا الحديث الموقوف (وفي صحة وقفه مقال) نسبه بعض المشايخ جهلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وبعض من صغار طلاب العلم أراد أن يبرئ نفسه فقال: "حديث في سنده مقال" ولم يذكر صراحة بأن الحديث أصلا لا يصح نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلى درجاته بأنه موقوف, فإما هذا من الجهل أو نوع من الخيانة نسأل الله العافية. أما الشيخ المالكي أظنه والله أعلم وفق في بيان حال الحديث الموقوف أكثر من الذي قصدته في هذا المقال فجزاه الله خيرا وهذا ما يميز الباحث الحقيقي, الحيادية والنزاهة.

وأما عن موضوع الأثر فأنا لن أبحث في تفاصيل السند فقد فعل ذلك الشيخ حسن وأنا من الذين يرون ضعف سند الأثر. ولكن على فرض صحة الأثر فشخصيا لا أظن أن المقصود بالأثر هم الدولة الإسلامية في العراق والشام, بل أظن أن المقصود هم العباسيون, فإنك إن أخذت تفاصيل هذا الأثر وجدته ينطبق تماما عليهم, أولا هم من أتوا بالرايات السود, وكان من بينهم أبو مسلم الخراساني المعروف, فأبو مسلم الكنية و الخراساني نسبته, ومن قرأ ترجمة أبو مسلم الخراساني يجد فيه بأنه كان حسن اللحية طويل الشعر. فهذا الأثر يبدو لي أثر سياسي من نتاج الأمويين أو على الأقل الذين كانوا ضد العباسيين. ومن جهة أخرى نجد بعض الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم فيه دعوة لمساندتهم: "إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان، فأتوها ولو حبواً، فإن فيها خليفة الله المهدي" وهكذا بعض هذه الروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة, تجد بعضها معهم والأخرى ضدهم, وطبعا اليوم لن يجرؤ بعض المسلمين أن يذكروا هذه الروايات التي معهم بسبب ظهور داعش وأفعالهم, والحقيقة ومن يدرك أثر السياسة في وضع هذه الأحاديث لغسل يده من جميع هذه الروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم أو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقاتل الله السياسة كم من كذبة نسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأغراض شخصية, وكما قيل, لم تدخل السياسة في شيء إلا أفسدته. وكذلك نجد أثر السياسة في أحاديث ما يسمى بالمهدي أو السفياني أو الرايات السود...الخ لوجدت كثير منها أو معظمها نتاج السياسة ولا يصح أسانيد كثير منها. وكما قلت البارحة, مشكلة الفرق الإسلامية سواء السنية أو الشيعية أو الزيدية يجعلون أصلا من أصولهم مبني على هذه الأحاديث التي لا يمكنهم أن يقطعوا بصحتها, ومن هنا يحصل الخلل. فبعض من أهل السنة هداهم الله كفروا جمع من المسلمين بطريقة غير مباشرة بسبب اعتمادهم على حديث في سنده مقال, وكذلك السلفية الجهادية, لم يضبطوا أمور الجهاد بسبب اعتمادهم على حديث في سنده مقال, وكذلك الشيعة بنوا عقيدة المهدي على روايات في أسانيدها مقال وأيضا الصوفية بنو كثير من أصولهم على حديث في سنده مقال, ولو أن هؤلاء جعلوا جميع أصولهم مبنية على القرآن لكان الأمر مختلفا ومشرفا, وهنا يتجلى للبعض بعض معاني قول الله سبحانه وتعالى: ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا))

ناقشت البارحة أحد أفراد الجماعة الأحمدية, فقال لي لم لا تؤمن بميرزا غلام, فالرجل تنبأ بأمور قد وقعت بالفعل, قلت له هذه هي المشكلة, أنتم يكفيكم أن يتنبأ شخص بحدث مستقبلي فيقع فتؤمنون به أما أنا فلا يكفيني ذلك. فقال لي وكيف ذلك ونحن نؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه تنبأ بأمور مستقبلية, قلت له ربما أنت, أما أنا, فآمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أتى بكتاب لم يأتي به أحد من غيره, ولا يكون هذا الكتاب إلا من عند الله سبحانه وتعالى فالفرق كما بين السماء والأرض. كم نسمع من بعض اليهود والنصارى او من عبدة الأوثان من تنبأ بأمور وفعلا قد وقعت بل حتى قبل الإسلام من علماء الاغريق من تنبأ بأمور قد وقعت, هل يعني هذا بأنه يجب علي أن أؤمن بهم؟ مشكلة البعض اليوم أنه يجعل من الحديث الموضوع حديث صحيح فقط لأن ما فيه قد حصل بالفعل وهذا خطأ وخطورة هذه الفعلة تكمن في تأثيرها على غير المسلمين. البعض منا يعتمد على أحاديث لا يستطيع أن يقطع بصحتها لتفسير الواقع, ويكثر هذا في الباحثين مجال الإعجاز العلمي, ويكثر أيضا في عوام الناس الذين يحبون السياسة, ولكنهم إن درسوا التاريخ, وعرفوا أثر السياسية والخلافات في وضع الأحاديث, وعرفوا مدى أثر الخلافات المذهبية والطائفية في الرواة ومروياتهم لتركها واعتمد على القرآن, وهذا ليس بصعب على الباحث ولا أظنه صعبا على الشيخ حسن فرحان المالكي. نحن لسنا بحاجة إلى روايات ضعيفة أو في سندها مقال لنتأكد من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, حسبنا القرآن الكريم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا والله أعلم.


No comments:

Post a Comment