Monday, January 13, 2014

إجابة سؤال




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... كعادتي كنت أتصفح صفحتي على موقع الأسئلة العامة فوجدت سؤالا كالتالي: "من الطبيعي أن نحترم أشخاصا من تغريداتهم الراقية و الجميلة و الهادفة أو ما يشابه ذلك في بقية مواقع التواصل الاجتماعي لكن يا ترى لماذا قد يكره هؤلاء الذين نالوا احترامنا لنفس السبب من قبل فئة أخرى؟ أتمنى أن أجد تفسيرا مناسبا واتوقع أن الكثير منكم استلم رسائل الكره عبر هذا الموقع !" ‏وقلت بما أن السؤال قد يراود عددا ليس بالقليل من الناس ولعل الاجابة تنفعهم فقررت أن أضع إجابتي في المدونة.


أولا أحب أن أقول بأنه لا يوجد شيء في هذا العالم لم يتعرض للذم, من أحقر المخلوقات إلى رب الأرباب والمخلوقات وهو الله سبحانه وتعالى. في الحديث القدسي المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيدعي أن لي صاحبة وولدا وما اتخذت صاحبة ولا ولداً، وأما شتمه إياي فإنه يشتم الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء" فاليوم أكثر من بليون إنسان يسب الله ليل نهار وربما لا يشعر بذلك! وأيضا هناك فئة من الملحدين يسبون الله وينتقصونه بألفاظ وصور يستحي المرء أن يذكرها. فإذا كان هناك من يعامل الله بهذه الطريقة, فكيف بمن دونه؟ فأن يحصل الإنسان الراقي صاحب الأهداف والأخلاق النبيلة سخرية أو تشويها لسمعة أمر طبيعي جدا. ومن تأمل التاريخ لوجد أن معظم الناجحين سواء من المسلمين أو غير المسلمين كلهم ذاقوا طعم سخرية الآخرين أو تم تشويه سمعتهم, ولا يكاد ينجو منهم أحد! يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله بأنه قال: "فلم أر فيما ساءني غير شامت... ولم أر فيما سرني غير حاسد"


أما عن سبب الكره فالغالب أنه الحسد, فالإنسان عندما يجد الطرف الآخر يملك أمورا لا يملكها, أو نجح في أمور تمنى لو هو نجح فيها لشعر بالحسد. والشعور بالحسد ثمرة من ثمرات الغضب والغضب بحد ذاته هو من أحد ثمار الكبر, والكبر ناتج عن الجهل. فإن الإنسان عندما يكون أنانيا ويتكبر على خلق الله يظن بأنه خير من غيره في جميع الأمور, فلا يجد كمالا في هذا العالم إلا ويريد أن ينسبه لنفسه, ولا يوجد نقص في هذا العالم إلا ويريد أن يبتعد عنه ويتخلص منه. فإن وجد إنسانا عنده نوع من الكمال وخاصة في الأمور المشتركة بينهما يبدأ بالشعور بالغضب, فإما أن يغضب بإساءة الظن بالله فيشعر بالحسد ولا يؤمن بأن الله هو المدبر وهو الذي يعطي ويمنع, وفي قرارة نفسه يظن أن ما حصل عليه الطرف الآخر من كمال بغير حق (حال ابليس والعياذ بالله) وقال الشاعر: "ألا قل لمن كان لي حاسدا... أتدري على من أسأت الأدب...  أسأت على الله في فضله... إذا أنت لم تدر ما قد وهب..." أو ربما يشعر بالغضب لأنه لا يستطيع أن يدرك هذا الكمال بسبب عجز من نفسه فلا يريد أن يحصل أحد غيره على هذا الكمال, لأنه يحب أن يكون المتفرد بالكمالات وكأنه رب! وإن كان لا يعترف بذلك بلسانه ولكن حاله يثبت ذلك.


لعل ما ذكرته من أسرار قول الله سبحانه وتعالى: ((إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ)) فمهما تجبر الإنسان وأراد أن يكون الواحد المتميز صاحب الكمالات وغير ذلك لن يدركه, لأن المتفرد بصفات الكمال والجلال ومنزه عن النقائص هو الله سبحانه وتعالى, أتمنى أن تعطي هذه الآية حقها من التأمل لعل الله يفتح عليك أبوابا من العلوم كانت غائبة عنك. أظن أن ما كتبت في هذه المشاركة يصعب استيعابها لمن ليس لديه فكرة عن علم النفس وفلسفة النفس كما يسميه البعض, والحقيقة أنا حاولت أن أوضح ولكن يصعب علي ذلك لأن فالموضوع أعمق من ما ذكرت ولكن لا أريد أن أحول هذه المشاركة إلى مشاركة فلسفية دقيقة. لكن أعطيك مفتاحا تفهم سبب معظم الصفات القبيحة فأقول: تأمل معظم الصفات الغير مرغوبة تجد من أصولها الجهل والكبر وحب الذات.


وبعد ما ذكرت, أحب أن أنبه على أمر مهم, وهو أني أظن (وأرجو أن أكون مخطئا) أن الأصل اليوم في الناس الخداع والمكر والكذب بخلاف السابق وذلك لإشباع رغبات نفسية. نجد اليوم أحدهم يتقنع بشكل انسان راقي يترفع عن سفاسف الأمور وملتزم بتعاليم دينه, يزعم بأنه لم يكذب في حياته قط ولا يحب من يستغل مشاعر الآخرين بالكذب. يفعل ذلك لأنه وجد أن المرأة اليوم تنجذب لصاحب الخلق الكريم أكثر من مظهر الرجل. فلا يكاد يحصل على مرغوبه إلا أن يتمثّل وكأنه أحد هؤلاء ذوي الصفات الكريمة. لكن إن كان أخبث من الذي سبقه وله تمرس في الخداع ولبس الأقنعة أو كما أصفه  (ذئبا من ذئاب البشر) لوجدته قال: "أكره الذين يمثّلون بأنهم يكرهون الكذب ليجذب النساء" ! وهكذا تجدهم درجات في الخداع, فمن شخص لا تكاد تكشف عواره وخدعته ومنهم من تكشفه في أول لحظة. والإنسان إن جعل الله له فرقانا ونورا يكاد يكشف أمثال هؤلاء بسهولة وكأنه يرى أنفسهم القبيحة بالرغم من كل هذه الأقنعة التي يرتدونها فلذلك ربما تجد أمثال هذا الإنسان الذي جعل الله له نورا وفرقانا, لا يحب أن يمدح من ظهر للناس بأنه صاحب خلق كريم, ولكن لا يعني أن يقوم هذا بهتك سترهم ويبين للناس عوار   أخلاقهم ونفوسهم مقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم وكيف تعامل مع المنافقين.


أذكر في ما مضى لم أكن مختلفا عن الذين وصفتهم, كنت أجيد التحكم بمشاعر الآخرين وأجيد اخفاء نواياي بسهولة لا يكاد يكشفني أحد بحكم الخبرة في هذه الأمور والتجارب إلى أن (أظن) هداني الله وأسأله أن يزيدني هدى ورشدا, علمت أن ما أفعله قبيح جدا ولابد أن الله يبتليني بأمر لا يعجبني وبالفعل ذقت أنواع من البلاء وكأن الله أيقظني من غفلتي فالحمدلله. ولهذا بعدها, لم أجبر أحدا من الناس أن يثقوا بي ولم أعد أرتدي تلك الأقنعة التي كنت أرتديها فيما مضى,  بل كنت آمرهم وأقول لهم لا تغتروا بي, فلا أحد منكم يستطيع أن يكشفني وصدقوني بعد أن فعلت ذلك رزقني الله من فهم نفسي وفهم الناس من حولي الشيء الكثير. أجد أناسا يرفعوني فوق مقامي فأقول لهم لا تفعلوا ذلك, ففي كل منا ذئب, يكاد يسطو بفريسته إن لم يوفقه الله بكبح جماحه والله المستعان. فإحسان الظن مطلوب ولكن مع ظروف اليوم فالحذر أيضا مطلوب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

Friday, January 10, 2014

سلسلة تصحيح مفاهيم: الحكم بغير ما أنزل الله




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... مشاركة جديدة ومحاولة لتصحيح بعض المفاهيم, ولعل المشاركة فيها جانب سياسي نوعا ما ولهذا سأحاول فقط أن أركز على بعض الجوانب من المسألة التي سأتعرض لها, لأني لا أحب أن أتطرق إلى الأمور السياسية, فالسياسية لها أهلها. وبما أني لا أحب أن أرى استغلال الدين وآيات الله للوصول إلى أغراض شخصية وسياسية, إضافة إلى ذلك, لم أقرأ من طلاب العلم والعلماء من يصحح هذه المفاهيم التي سأتطرق إليها في هذه المشاركة, قلت أكتب مشاركة لعل الله ينفع بها. أما هذه المشاركة تدول حول ما يردده بعض المنتسبين للأحزاب المنتمية إلى الإسلام (من غير ذكر أسماء) : "هذه الحكومة لا تحكم بما أنزل الله, فهي حكومة كافرة لابد من الخروج عليها وتبديل الحكومة وإقامة حكومة شرعية إسلامية تحكم بما أنزل الله" وذلك لقوله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) ولهذا يحرضون أتباعهم بالخروج على الحكام وبما أن الأتباع كثر فقد يتأثر بأقوالهم عامة الشعب فيثورون مع أعضاء الجماعة ويرددون أقوالهم وبهذا تنتشر الفتن في البلاد ويعم الفساد والسبب فهم غير صحيح للآية والله المستعان.


بيان ما سبق, أقول إن الله سبحانه وتعالى ذكر آيات تدور حول الموضوع, أقصد الحكم بغير ما أنزل الله وذلك في سورة المائدة فقال سبحانه وتعالى مرة: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) و قال في موضع آخر: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) وفي الأخيرة قال سبحانه: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) فمرة وصفهم بأنهم الكافرون ومرة وصفهم بأنهم الظالمون ومرة بأنهم الفاسقون, فما السر في ذلك؟ أقوال العلماء كثيرة في بيان السر ولكن سأختصرها لكم. الذي يحكم بغير ما أنزل الله له ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يعتقد أن حكم الله لا يصلح، وأن حكم غيره هو الذي يصلح للناس. الحالة الثانية: أن يحكم الحاكم بخلاف ما أنزل الله ولكنه يعتقد أن حكم الله أولى وأنفعل لكن خالفه بقصد إيصال الضرر للمحكوم أو طلب نفع للمحكوم له. الحالة الثالثة: أن يحكم الحاكم بخلاف ما أنزل الله ولكنه يعتقد أن حكم الله أولى ولكنه اتبع هواه لمصلحة تعود إلى نفسه. وبين الحالة الثانية والثالثة مقاربة وشبه ومن أراد تفصيل هذه المسألة فليرجع إلى كتب الفقه. العلماء رحمهم الله (لا أقصد الكل) قالوا عن الحاكم في الحالة الأولى بأنه كافر, وفي الثانية بأنه ظالم وفي الثالثة بأنه فاسق.


بناء على ما سبق, أقول للمنتسبين لهذه الجماعات المنتسبة للإسلام, أين تجدون حاكم دولة إسلامية يدعي أن حكم الله لا يصلح وحكم غيره هو الذي يصلح؟ بمعنى أنه يكذب ((أليس الله بأحكم الحاكمين)) والعياذ بالله؟ عن نفسي لا أكاد أجد حكومة في دولة إسلامية تدعي ذلك, سواء في الخليج أو خارج الخليج! بل إن كثيرا منها (أي الحكومات) تعترف بأن الدستور الأول للمسلمين هو القرآن الكريم, كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي حفظه الله وورعاه في لقاء معه: "دستورنا هو القرآن" وكذلك معظم حكام الخليج تجدهم يقولون بمثل قوله, ولم نسمع عن أحد منهم يزعمون بأن ما أنزل الله لا يصلح ولا يُعترف به!؟ فكيف ساغ لكم أيها القوم (الذين ينتسبون لهذه الفرقة السياسية) بتكفير الحكام ومن ثم تحريض الناس بالخروج عليهم؟ ألا يعتبر ما فعلتم حكما من غير برهان, فبذلك حكمتم بغير ما أنزل الله! ثم من قال بأنه إن قالت الحكومة كلمة ظاهرها الكفر بأن الحكومة كافرة؟ هذا غير صحيح, تكون كافرة إن كانت جاحدة لحكم الله عن علم وقالت كلمة الكفر عن علم, فربما الحاكم يقول كلمة كفرية وهو لا يعرف حكمها, أقصد لا يعلم أن قائلها يكون كافرا, فكيف يسوغ للناس تكفير الحكام والحكومات جملة واحدة بهذه السهولة قبل أن يتحققوا هل قالها بعلم أم قالها بغير علم؟ فمسألة التكفير عظيمة جدا وليست بهذا الأمر السهل, ومن ثم حتى لو ثبت كفر الحاكم أو الحكومة فمن قال لابد من الخروج عليه وقتاله؟ قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "لا يعني أننا إذا كفرنا أحدا فإنه يجب الخروج عليه لأن الخروج يترتب عليه مفاسد عظيمة اكبر من السكوت ولا نستطيع الآن أن نضرب أمثالا فيما وقع في الأمة العربية وغير العربية, و إنما إذا تحققنا جواز الخروج عليه شرعا فإنه لابد من استعداد وقوة تكون مثل قوة الحاكم أو اعظم. و أما أن يخرج الناس عليه بالسكاكين والرماح ومعه القنابل والدبابات وما أشبه هذا فأن هذا من السفه بلا شك وهو مخالف للشريعة."


أحب أن أضيف وأقول, من قال لكم بأن الآيات الثلاثة التي ذكرتها في المشاركة هي خاصة بالحكام والحكومات على حسب المفهوم الجديد للحاكم؟ الحقيقة أن كل منا راع وهو مسؤول عن رعيته كما في الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" رواه البخاري و مسلم. أنت أخي المسلم راع وتكون حاكما في أهلك وفي الأموال التي تحت يديك وغير ذلك. إن سرقت الأموال فقد حكمت بغير ما أنزل الله, وإن ظلمت زوجتك فإنك ظالم حكمت بغير ما أنزل الله, وإن اتبعت شهواتك بالزنى ومثل ذلك فأنت من الفسّاق الذين حكموا بغير ما أنزل الله وإن اغتبت الناس فأنت حكمت بغير ما أنزل الله. لا يكاد ينجو مسلم اليوم من الحكم بغير ما أنزل الله فهل ستكفرون المسلمين عامة كما قيل عن بعضهم: "لا أجد اليوم مسلما غيري" ؟ فلماذا تضيقون آيات الله بتخصيصها للحكومات التي لا تحكم بغير ما أنزل الله, لا شك أنها داخلة في الآية, ولكن كل من يحكم فهو تحت نطاق هذه الآية.


أعلم أن ما كتبته لن يعجب الذين ينتمون إلى هذه الأحزاب التي يدّعون بأنها إسلامية, وربما يتهمني البعض بأنني شخص مدفوع له فأكتب هذه المشاركات لأخذل المنتسبين لهذه المنظمات, وربما يتهمني البعض بأني من الجامية الذين (بزعمهم) يغلون في الحكام والحكومات وغيرها من الاتهامات, لكني أقول والله لم يرسلني أحد ولا أريد أن أنتصر لمذهب الجامية أو السلفية أو غيرها من المذاهب الإسلامية بل شخصيا لا أحب الانتماء لهذه الفرق فليس إمامي الجامي ولا إمامي ابن تيمية أو الألباني, إمامي هو محمد صلى الله عليه وسلم ويكفيني أن أنتسب إلى الإسلام, قال الله سبحانه وتعالى: (((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)). كل ما في الأمر أني أحب أن أقول الحقيقة على حسب ما ظهر لي وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال: ((يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)) هذا ما حاولت أن أحققه في هذه المشاركة. أخيرا, أقول لهؤلاء الذين ينتسبون للمنظمات والأحزاب, لا تحكموا بغير ما أنزل الله, فتتهموني ظلما وبهتانا, ولا تحكموا بغير ما أنزل الله فتكفروا عامة المسلمين من الحكام والحكومات. أولا أيها المسلم, احكم بما أنزل الله في نفسك وأهلك و ولدك وأقم شرع الله في بيتك, فإن فعلت ذلك لفتح الله عليك ويجعل لك فرقانا فتميز بين الحق والباطل, أسأل الله أن نكون منهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Thursday, January 2, 2014

سلسلة تصحيح مفاهيم: مرسل الصحابي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... محاولة جديدة لتصحيح بعض المفاهيم التي أراها خاطئة حول مسألة مرسل الصحابي. الحديث المرسل في الاصطلاح عرفه عدد من العلماء بتعاريف, أعمها تعريف بعض الفقهاء وهو: "أن كل منقطع مرسل على أي وجه كان انقطاعه" فرواة الحديث يسقط منهم حلقة أو أكثر، والحديث المرسل صنّفه العلماء ضمن أقسام الحديث الضعيف وذلك لأن السند غير متصل, ولكن جمهور أهل العلم قبلوا مرسل الصحابي, وأحب أن أنوّه في المسألة خلاف لا يكاد يعرفه طلاب العلم اليوم وهذه المشاركة محاولة لتصحيح مفهوم منتشر بين طلاب العلم وهو أن مرسل الصحابي صحيح مطلقا. أما صورة مرسل الصحابي: "هو أن يروي الصحابي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يسمعه منه مباشرة" فالصحابي قد يروي عن صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما يروي عن تابعي سمع من صحابي آخر سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا نادر والاحتمال وارد أن يروي الصحابي عن تابعي أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم والأخير خطير جدا.

وأنا لا أريد أن أثبت في هذه المشاركة بأن الصحابة كانوا يدلّسون أو شيء من هذا القبيل, والحقيقة أظن أن هناك خلط عند بعض طلاب العلم بين التدليس والارسال, فالأول أي المدلّس يريد  إيهام السامع بأنَّه قد سمع هذا الحديث من شيخه، وهذا الأمر لم يقع من الصحابة فيما أعلم والله أعلم ولكن أثبته الذهبي رحمه الله حيث أورد في سير أعلام النبلاء: "قال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : كان أبو هريرة يدلس. قلت - القائل الذهبي - : تدليس الصحابة كثير ، ولا عيبَ فيه ؛ فإنَّ تدليسهم عن صاحبٍ أكبر منهم ؛ والصحابة كلهم عدول" فينظر ما يقصده قبل أن يتعجّل مُتعجّل في اصدار الأحكام بغير علم. أما الحديث المرسل فغالب العلماء كما ذكرت يُصححون الحديث إن كان الصحابي أسقط ذكر الصحابي الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك لأنهم يقولون بعدالة الصحابة وموثوقيتهم, فحين يسقط صحابي من السند فلا يضر عندهم ذلك فإن الحديث يظل من الأحاديث الصحاح على اختلاف بين العلماء.

لقد تأملت الخلاف في المسألة ورأيت من لم يحتج بالحديث بحجة أن الصحابي قد يروي عن تابعي ويكون هذا التابعي أرسل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, أو أن هذا التابعي ليس بثقة, فإن غالب العلماء لا يشككون بعدالة الصحابة ولكنني أختلف معهم في ذلك. لأننا أولا نعلم أن الصحابة بشر مثلنا, منهم المتقن والحافظ ومنهم أقل من ذلك, ومنهم العالم ومنهم غير ذلك, فهذه الأمور كلها واردة وإن كان الغالب عليهم أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولكن المسألة التي غفل عنها معظم طلاب العلم و حتى العلماء بأنه قد يكون من الصحابة (على حسب التعريف الاصطلاحي المتداول بين طلاب العلم والعلماء اليوم) منافقين. لا أريد أن يتعجّل طالب علم فيتهمني باتهامات باطلة فإني لا أريد أن ألمز الصحابة رضوان الله عليهم أو شيء من هذا القبيل ولكني أريد تصحيح هذا المفهوم الخاطئ وذلك صونا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والحذر من نسبة الكذب والخطأ إليه, و سأثبت ذلك بالأدلة الصحيحة من القرآن الكريم والسنة النبوية في الفقرة القادمة بأنه ليس كل الصحابة ثقات ومعصومين من الخطأ بحيث تقبل كل مروياتهم مطلقا وكأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها قطعا.

قال الله سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "السلسلة الصحيحة": قالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ : ثَنَا أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ بْنَ ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ :قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَانِي إِلَى الإِسْلاَمِ ، فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ ، فَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا ، وَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ ، فَمَنِ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ ، فَيُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً لإِبَّانِ كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ مَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ .فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ وَبَلَغَ (الإِبَّانَ) الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِ ؛ احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ ؛ فَظَنَّ الْحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سَخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ ، فَدَعَا بِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ :إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ وَقَّتَ لِي وَقْتاً يُرْسِلُ إِلَىَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكَاةِ ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخُلْفُ ، وَلاَ أَرَى حَبْسَ رَسُولِهِ إِلاَّ مِنْ سَخْطَةٍ كَانَتْ ، فَانْطَلِقُوا فَنَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إِلَى الْحَارِثِ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ ، فَلَمَّا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرِقَ ، فَرَجَعَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِي الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِى ! فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ .فَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ . إِذِ اسْتَقْبَلَ الْبَعْثَ وَفَصَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ ؛ لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ ، فَقَالُوا : هَذَا الْحَارِثُ ! فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ : إِلَى مَنْ بُعِثْتُمْ ؟ قَالُوا : إِلَيْكَ .قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالُوا : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ .قَالَ : لاَ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةً وَلاَ أَتَانِى  فَلَمَّا دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي ؟ قَالَ : لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ! مَا رَأَيْتُهُ وَلاَ أَتَانِي ، وَمَا أَقْبَلْتُ إِلاَّ حِينَ احْتَبَسَ عَلَيَّ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ سَخْطَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ .قَالَ: فَنَزَلَتِ الْحُجُرَاتُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)) إِلَى هَذَا الْمَكَانِ ((فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))

أخرجه أحمد (4/279) ، وابن أبي عاصم في "الأفراد" (4/322/2353) والطبراني في "الكبير" (3/310-311) من طريق محمد بن سابق : ثنا عيسى بن دينار به . قلت : وهذا إسناد صحيح ؛ رجاله كلهم ثقات مترجمون في "التهذيب" . ولذلك قال الحافظ ابن كثير في "التفسير" :إنه من أحسن طرق الحديث" . وقال السيوطي في "الدر المنثور" (6/87) : "سنده جيد". وسكت الحافظ عنه في ترجمة (الحارث) من "الإصابة". وأما في ترجمة (الوليد بن عقبة) ؛ فإنه بعد أن أخرج القصة من وجوه مرسلة – قال :"أخرجها الطبراني موصولة عن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي مطولة ، وفي السند من لا يعرف"! كذا قال رحمه الله ! فإنه مع تقصيره في اقتصاره على الطبراني دون أحمد وغيره – ممن عزاه إليهم في الموضع الأول – فالطبراني قد رواه من ثلاثة طرق عن محمد بن سابق . فهل الجهالة التي أشار إليها هي في محمد بن سابق فمن فوقه – وهذا لا يتصور صدوره من الحافظ ؛ بل ولا ممن دونه - ، أم هي في الطرق الثلاث ؟ وهذا كالذي قبله ؛ فإنها لو كانت كلها مجهولة لم يجز إعلال الحديث بها لتضافرها ، فكيف واثنان منها – على الأقل – صحيحان؟! فكيف وقد رواه أحمد عن محمد بن سابق مباشرة؟! لا شك أن ذلك صدر من الحافظ سهواً وغفلة . وكلنا ذاك الرجل : (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)." انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله. الوليد بن عقبة من الصحابة بناء على تعريف أهل العلم ولكنه نُعت بالفسق إن صحت الرواية. قال الإمام ابن حجر رحمه الله في الإصابة: "قال ابن عبد البر لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن انها نزلت فيه" ولكن هناك من أنكر هذه الرواية من العلماء.

قال الله سبحانه وتعالى: ((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ)) فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال الوليد بن عقبة لعلي: أنا أحد منك سنانا ، و أبسط لسانا وأملأ للكتيبة ، فقال علي: اسكت ، فإنما أنت فاسق . فنزلت (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا)" - إسناده قوي, انظر سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله 3/415. فهذه رواية أخرى عن الوليد بن عقبة وهو من الصحابة, ولكن أيضا من أهل العلم من أنكر على الذهبي حكمه على السند. ولكن فرضا إن لم تصح هذه الروايات فالآيات موجودة في ذم بعض أفعال المسلمين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم, مثل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) فمن يدري, ربما يرسل الصحابي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بحديث يكون بينه (أي الصحابي الراوي) والرسول صلى الله عليه وسلم صحابي فاسق (أسقطه الصحابي الأول) أو ممن لا تحل الرواية عنه منفردا وهذا ما غفل عنه جمع من العلماء بسبب عقيدة عدالة الصحابة المطلقة وذلك صونا للصحابة, وهذا خطأ فالأولى أن يُصان الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينسب إليه إلا الحق والصدق والله أعلم.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في أصحابِي اثنا عَشَرَ مُنافِقًا ، مِنهمْ ثمانيةٌ لا يَدخلونَ الجنةَ ، حتى يَلِجَ الجمَلُ في سَمِّ الخِياطِ" وفي رواية عمار بن ياسر رضي الله عنه: " قلنا لعمارٍ : أرأيتَ قتالَكم ، أرأيًا رأيتُموه ؟ فإنَّ الرأيَ يخطئُ ويصيبُ . أو عهدًا عهِده إليكم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؟ فقال : ما عهِد إلينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا لم يعْهدْه إلى الناسِ كافَّةً . وقال : إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال " إنَّ في أمتي " . قال شعبة : وأحسبُه قال : حدثني حذيفةُ . وقال غُندرُ : أراه قال "في أمتي اثنا عشرَ مُنافقًا لا يدخلون الجنةَ ، ولا يجِدون رِيحَها ، حتى يلِجَ الجملُ في سَمِّ الخِياطِ . ثمانيةٌ منهم تكفيكَهم الدُّبَيلةُ . سراجٌ من النارِ يظهرُ في أكتافِهم . حتى ينجُمَ من صدورِهم" أخرج مسلم هذه الرواية في صحيحه. وفي حديث الحوض المشهور: "إِنَّي فرَطُكُمْ علَى الحوْضِ ، مَنْ مَرَّ بِي شَرِبَ ، ومَنْ شرِب لم يظمأْ أبدًا ، ولَيَرِدَنَّ علَيَّ أقوامٌ أعرِفُهُمْ ويعرِفُونِي ، ثُمَّ يُحالُ بيني وبينهم ، فأقولُ : إِنَّهم مني ، فيُقالُ : إِنَّك لا تَدْرِي ما أحدثوا بعدَكَ ، فأقولُ : سُحْقًا لِمَنْ بدَّلَ بعْدِي" وفي رواية عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطُكم على الحوضِ. ولأنازعن أقوامًا ثم لأغلبن عليهم ، فأقولُ : يا ربِّ أصحابي . أصحابي . فيقالُ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك." فبهذه الأحاديث عرفنا أن من الصحابة منافقون لا تحل الرواية عنهم, فالمنافق كذاب كذاب كذاب لقول الله سبحانه وتعالى: ((وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ))

فإن قال طالب علم أو عالم: "ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين" أقول وإن كان يعرف بعضهم فلا يعني أنه كان يعرفهم جميعا بدليل قول الله سبحانه وتعالى: ((مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ)) ولكني سأتنزل لهؤلاء فإن كثيرا منهم يجادل بلا علم, فأقول وإن سلّمت لكم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف جميع المنافقين, فكيف يدل ذلك على أن الصحابة كانوا يعلمون كل المنافقين في المدينة؟ ربما كانوا يعلمون البعض ولكن لا عاقل يقول بأنهم كانوا يعلمونهم جميعا! وحتى لو كانوا يعلمونهم ألم يقل الله سبحانه: ((يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)) و معروف لدى طلاب العلم قصة عمر بن الخطاب مع حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين وكيف كان عمر يخشى على نفسه أن يكون من المنافقين, لأن حذيفة كان يعرف عددا من المنافقين لم يخبر الصحابة علانية بأسمائهم ولهذا قيل عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. تخيلوا معي, إن روى صحابي معروف بالصدق كأبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب رضوان الله عليهم عن أمثال هؤلاء المنافقين الذين يعلمهم حذيفة بن اليمان, هل ستقبل روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم من المنافقين!؟ ولنا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أدلة كثيرة تثبت ذلك.

فإن قلت: "بهذه الطريقة لن تستطيع أن تثق بأية رواية عن الصحابة إن لم يذكروا اسم الصحابي الذين يروون عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم!" أقول: غير صحيح, وهنا يأتي دور الحديث العزيز الذي ذكرته في مشاركات سابقة بأنه لابد أن يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيان على الأقل عن نفس الحادثة, فإننا سنقارن مرسل الصحابي مع روايات أخرى في نفس الباب, فإن كان موافقا لذلك فلا بأس بالأخذ به ظنا, وإن كان مخالفا فهنا لابد أن نتوقف قبل قبول الحديث ولابد من البحث والتنقيب إلى أن نصل إلى الحق. اعلموا أن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بينا لنا صفات المنافقين وعلامات النفاق, فلابد من دراسة سير كل من ذكروا ضمن الصحابة, فإن كان من ثبت عليه العلامات الخاصة بالمنافقين فإنه يجب علينا أن نحذر من مروياته ولا ننسبها جزافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نجد ما يعضده, لأن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أمر عظيم وظلم للنفس وللأمة الإسلامية وبيان ذلك يطول ولعلي أتعرض لبعض من المفسدة في مشاركات أخرى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...