Thursday, November 21, 2013

سيهزم الجمع ويولون الدبر



قال الله سبحانه وتعالى: ((سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)) أي سيتفرق شملهم ويغلبون, قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر: "أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبداً" فأخذ أبو بكر رضي اللّه عنه بيده، وقال: حسبك يا رسول اللّه ألححت على ربك، فخرج وهو يثب في الدرع، وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر" أخرجه البخاري والنسائي. وروى ابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: لما نزلت ((سيهزم الجمع ويولون الدبر)) قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر" فعرفت تأويلها يومئذ " أخرجه ابن أبي حاتم."

كم مرة أيها القارئ الكريم تكون في موقف تخالف فيه أصحابك في رأي ما؟ أظن أن كل منا مر بموقف يكون هو على رأي و جماعة من الناس على رأي آخر. كثير من الذين يخالفون الجماعة من الناس سرعان ما ينضمون إلى الطرف الآخر, فقد قيل: "فإن لم تستطع عليهم فانضم إليهم" وهذه استراتيجية يستخدمها كثير من الناس, بل رأيت ذلك بنفسي. كثير منا يتخلى عن انسانيته (أي اختياره الذي هو مقتنع به) فقط لأن جماعة من الناس يخالفونه! هذا المسكين ينضم إليهم مُكرها وإن كان لا يوافقهم في أفكارهم وأفعالهم, ولكن لا يستطيع أن يتحمل أن تكون جماعة في صف وهو لوحده في الصف المخالف. فهذا الإنسان للأسف يفقد جزءا عظيما من انسانيته ويجحد نعمة عظيمة من نعم الله ألا وهي نعمة الحرية.

على السبيل الشخصي, كثيرا ما أتبنا أفكارا أخالف فيها عائلتي وأصدقائي, بل كل من في قومي ومجتمعي ولكن إن كنت مقتنعا بما أنا عليه بأنه الحق, وبحثت في الآراء المخالفة لرأي ثم وجدتها أنها غير كافية لتقنعني بل باطلة أو غير ذلك فإني لا أتخلى عن إنسانيتي ولا أجحد نعمة الحرية التي رزقني الله! وطبعا لا يتأتى لي ذلك إلا بتوفيق من الله وفضل... لا أتنازل عنها من أجل أن الطرف الآخر هم الأكثرية وأنا وحيد فيما أتبناه ولكن لا أزعم أني لا أفرح أو أستأنس إن وافقني طائفة من الناس على ما أتبناه, فالإنسان في طبعه يحب التوافق والائتلاف ويكره الاختلاف. أكون مع جماعة من الناس في مجلس ما, فلا يتفوهون بشيء ربما احتراما لي أو خوفا أو حياءً الله أعلم! لكن ما إن أغيب عنهم يتكالبون علي كما تداعى القصعة على أكلتها. فمنهم من يسخر ومنهم من يسّفه وفريق منهم يحذرون الآخرين من أفكاري وقليل هم الذين يدعون لي الهداية. وأنا أعلم هذا منهم ولكن لا أمانع بل اشفق عليهم. 

أشفق عليهم لأنهم يذكروني بأفعال الكفار (أعيذهم بالله من الكفر وصفات الكفار) المذكورة في القرآن: ((وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ)) فإن كنت بين جماعة من الناس, ربما ينغزني الواحد منهم والثاني يغمز له, وطبعا إذا انقلبوا إلى أهليهم (إخوانهم وزوجاتهم وأصحابهم) نشروا كلماتي وضحكوا وسخروا مني. وإن رأوني منكب على ما تبنيته وأواصل مشواري وصفوني بالضلال والتأثر بالضالين من الناس وهكذا. أشفق عليهم لأني لا أريد لهم أن يتشبهوا بهؤلاء الذين لا حظ لهم من العلم بل لم يشموا رائحة العلم! بل لا يعرفون معنى العلم! ولا يعرفون آراء الناس من قبلهم ولكن يتبنون آراءً وأفكارا فقط بسبب أن شخصيات ذات شهرة تبنتها, أو لأن طائفة ما تبنتها. هؤلاء وإن كانوا يزعمون بأنهم من البشر إلا أنهم أشبه بالآلات أو الببغاوات التي تقلد ما تسمع! من غير أن تميز إن كانت ما تكرره من الكلمات هي كلمات طيبة أم سيئة... 

قد تتساءل أيها القارئ ولكن كيف تدري أنك على الحق؟ عزيزي القارئ, وإن كنت لا تعرف الحق, فإن كنت من الذين استعانوا بالله وتوكلوا عليه للوصول إلى الحق وبذلت جميع الأسباب من البحث وسؤال أهل العلم والخبرة ثم لم تجد ما يقنع قلبك هنا بل وقر في قلبك أن ما تتبناه هو الحق فتمسك بما أنت عليه بعد طلبك الهداية من الله, فالله لا يخيب من يستهديه ولو لم يجد نتيجة في بداية الأمر! وأيضا قد تتساءل,  كيف تصبر على مخالفة الناس؟ و قد علمت بأن الإنسان اجتماعي بالطبع, ويحب أن يكون مع الناس وأن يوافق أفكارهم ومذاهبهم!؟ أقول نعم هذا طبع الإنسان, لكن من رزقه الله نعمة عشق الحقيقة فلا يرضى بغير الحقيقة أحدا من الخلق, لا الوالدان ولا الأزواج والذرية ولا الإخوان والأصدقاء, ولا الجماعة ولا الأوطان. الحقيقة عنده شيء آخر, شيء فوق هذه الأمور الدنيوية, فوق حظوظ النفس الشهوانية أو الغضبية, شيء لا يمكنني أن أصفه. 

الحقيقة أعشقها لأنها أقرب شيء إلى الحق سبحانه وتعالى, لأن الله هو الحق فأحب أية حقيقة تقربنا منه. أرأيت إن اتصل بك من تعشقه؟ بمجرد أن ترى رقم هاتف معشوقك في شاشة هاتفك لربما طار قلبك من الفرحة! أرأيت هذه الفرحة؟ ضاعفها بليون بليون مرة ثم والله إنها لا تساوي عشر ما يجده طالب الحقيقة من اللذة إن ظفر بالحقيقة! وكيف لا وقد علمت من هو مصدر الحقائق؟ قد تقول الحقيقة مُرة! نعم هي مُرة إن كانت لديك حظوظ نفسية! ولكن إن كان مقصودك هو الله سبحانه وتعالى فالحقيقة تكون أحلى من العسل وأصفى من اللبن وأشد بياضا من الثلج وأعظم بهاءً من الشمس. 

لا تظن أيها القارئ الكريم أن حب الحقيقة هو الشيء الوحيد الذي يصبرني ويصبر أمثالي على مخالفة الناس أجمعين, لا والله ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى: ((وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً)) فالنعمة كلها من الله, فالحمدلله وأسأل الله أن يثبتني على حب الحقيقة وتبنيها ما حييت. ثم إن القرآن فيه تسلية عظيمة للبشر وإن كانوا في ظروف صعبة. فعندما أتبنا فكرة أو رأيا قد وقع في قلبي أنه الحق ولم أجد بعد بحث طويل ما يهز هذه الحقيقة التي وقرت في قلبي, فلا شيء يسليني بعد كل ما أجده من استهزاء وسخرية أو تشويه صورة وأنا وحيد أمام هذا التيار المخالف إلا قول الله سبحانه وتعالى: ((سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)) سيهزم من يسخر منك ثم إن كان من الذين سبقت لهم من الله الحسنى خضع للحقيقة التي جئت بها, وإن لم يرد الله به خيرا سيولي الدبر! هذه سنة الله في خلقه, فهو يظهر الحق ولو بعد حين ولو تبناه ونصر الحق إنسان واحد  ذلك لأن الله هو من (( يُحِقّ الْحَقّ وَيُبْطِل الْبَاطِل)) فاللهم اجعلنا من أهل الحق واجمعنا على الحق وأمتنا على الحق وابعثنا على الحق, آمين...


No comments:

Post a Comment