Monday, July 1, 2013

نفوذ الشيطان إلى العبد من ثغرة اللسان




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, " اعلم أنه لكلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحة فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء‏ و قد قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ‏"‏‏.‏ وقد كتبت في مشاركات سابقة عن أهمية حفظ اللسان, وهذه المشاركة أيضا تمثيل رائع لابن قيم الجوزية رحمه الله في تمثيل نفوذ الشيطان إلى العبد منْ ثغرة اللسان أنقلها لكم لما فيها من الفوائد لعل الله أن ينفعنا بها.

قال ابن القيم رحمه الله: "يقول – أي الشيطان - : قوموا على ثغر اللسان ؛ فإنه الثغر الأعظم ، وهو قبالة الملك ؛ فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه ، وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه : من ذكر الله تعالى ، واستغفاره ، وتلاوة كتابه ، ونصيحة عباده ، والتكلم بالعلم النافع ، ويكون لكم في هذا الثغر أمران عظيمان ، لا تبالون بأيهما ظفرتم: أحدهما: التكلم بالباطل؛ فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم.  والثاني: السكوت عن الحق ؛ فإن الساكت عن الحق أخ لك أخرس ، كما أن الأول أخ ناطق ، وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم ، أما سمعتم قول الناصح "المتكلم بالباطل شيطان ناطق ، والساكت عن الحق شيطان أخرس" ؟

فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن باطل ، وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق ، وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق . واعلموا يا بني أن ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم وأكبهم منه على مناخرهم في النار ، فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر؟ وأُوصيكم بوصية فاحفظوها: لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة ، ويكون الآخر على لسان السامع ؛ فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها ، ويطلب من أخيه إعادتها ، وكونوا أعواناً على الإنس بكل طريق ، وادخلوا عليهم من باب واقعدوا لهم كل مرْصد ، أما سمعتم قسمي الذي أقسمت به لربهم حيث قلت: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)) [ الأعراف:17] ؟

أو ما تروني قد قعدت لابن آدم بطرُقه كلها ، فلا يفوتني من طريق إلا قعدت له بطريق غيره ، حتى أصيب منه حاجتي أو بعضها ؟ وقد حذرهم ذلك رسولهم - r - وقال لهم: ((إن الشيطان قد قعد لابن آدم بطرقه كلها ، وقعد له بطريق الإسلام : فقال : أتُسلم وتذر دينك ودين آبائك ؟ فخالفه وأسلم ؛ فقعد له بطريق الهجرة ؛ فقال : أتهاجر وتذر أرضك وسماءك ؟ فخالفه وهاجر ؛ فقعد له بطريق الجهاد ؛ فقال : أتجاهد فتقتل فيقسم المال وتنكح الزوجة؟))

فهكذا فاقعدوا لهم بكل طرق الخير ، فإذا أراد أحدهم أن يتصدق فاقعدوا له على طريق الصدقة ، وقولوا له في نفسه : أتخرج المال فتبقى مثل هذا السائل ، وتصير بمنزلته أنت وهو سواء ؟ أو ما سمعتم ما ألقيت على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه ؛ فقال : هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم ؟ واقعدوا له بطريق الحج ؛ فقولوا : طريقه مخوفة مشقة ، يتعرض سالكها لتلف النفس والمال ، وهكذا فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير عنها وذكر صعوبتها وآفاتها ، ثم اقعدوا لهم على طرق المعاصي فحسنوها في أعين بني آدم ، وزينوها في قلوبهم ، واجعلوا أكبر أعوانكم على ذلك النساء ؛ فمن أبوابهن فادخلوا عليهم ، فنعم العون هن لكم)  وأختم هذه المشاركة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سأله عقبة بن عامر: "يا رسول الله ! ما نجاة المؤمن؟ قال : ((يا عقبة بن عامر ! أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك))